الأرثوذكسيّة والمناولة – المطران جورج (خضر)

نشرة رعيتي Saturday June 9, 2018 934

الكنيسة الواحدة، المقدّسة، الرسوليّة، الجامعة هي القائمة على الإيمان المستقيم الرأي. هذه الكنيسة تعبّر عن إيمانها إذا اجتمعت وتناولت الكلمة الإلهيّة وجسد الربّ. «ربّ واحد وإيمان واحد ومعموديّة واحدة» (أفسس ٤: ٥). والإيمان المستقيم الرأي أو الأرثوذكسيّ شرط أساس لاقتبال الكأس المقدّسة. فالقرابين الإلهيّة تجعلنا متّحدين بالمسيح القائم من بين الأموات، والممتدّ إلى الإخوة الذين يؤمنون به حسب العقيدة المكشوفة في المجامع السبعة، المحفوظة في تعليم آبائنا والبارزة في العبادة الأرثوذكسيّة. «نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضنا لبعض» (رومية ١٢: ٥).

من هنا نحن لا نستطيع أن نفصل بين انتمائنا إلى المسيح الحيّ وانتماء بعضنا للبعض الآخر. تاليًا لا يسوغ القول أنا أتناول في أيّة كنيسة أجد فيها القربان. الصحيح هو هذا التأكيد: حيثما يكون التعليم الأرثوذكسيّ فأنا ضامن أنّ هناك جسد المسيح. هناك تماسك لا يقبل الانفكاك بين العقيدة السليمة وجسد الربّ. فعبارة «جسد الربّ» تعني بآن معًا القربان الإلهيّ والكنيسة. هذان شيء واحد.

وليقين الكنيسة بهذا رأت دائمًا أنّ من خالفها التعليم يُحرم تناول الكأس، لأنّه يكون قد خرج من الشركة الكنسيّة أو أُخرج منها. فالمُنشقّ يحرم نفسه ويذهب في طريق الضلالة. كذلك الواقع في بدعة أو هرطقة، فهو، بفعل شذوذه، يترك الكنيسة فلا يبقى بيننا مائدة روحيّة واحدة.

أمّا إذا عاد المنشقّ أو من وقع في اعتقاد ضالّ فتصالحه الكنيسة مع نفسها. إذ ذاك، تقبله في التناول. هكذا كان يعمل بولس الرسول. من ارتكب خطيئة جسيمة أو«انكسرت به سفينة الإيمان» (١تيموثاوس ١: ١٩) كان يفصله عن الجماعة المسيحيّة أي كان يمنعه من سرّ الشركة: شركة الكنيسة وشركة الكأس.

وقد درجنا منذ القرن الرابع على تعليم الموعوظين أي الوثنيّين المحبّين للمسيح وغير المكتمل إيمانهم. عند انتهاء تعليمهم كنّا نعمّدهم عشيّة الفصح وقبل اقتبالهم المعموديّة كنّا نمنعهم من حضور الذبيحة. فإذا قال الشمّاس الأبواب، الأبواب كنّا نغلقها ولا يبقى في الاجتماع إلاّ المعمّدون المستعدّون للمناولة الإلهيّة، القادرون على تلاوة دستور الإيمان بفهم وقناعة. هؤلاء كنّا ندعوهم إلى الكأس. الكنيسة في نظامها كانت تفرز المستقيم رأيه عن المعوجّ رأيه. هذا يبقى خارجًا.

فنحن نجتمع في مكان واحد لأنّنا واحد. وهذا المكان ليس مشرّع الأبواب. والعمارة البيزنطيّة لا تعرف نوافذ عريضة في المعابد. إنّها دائمًا ضيّقة يكاد نور الشمس يدخل منها. الكنيسة مغلقة للتقديس، منفتحة للبشارة بعد التقديس. نقيم الذبيحة مع الذين نجوا بإيمانهم السليم. إيمانهم طريقهم إلى الذبيحة. كنائسنا ليست ممرًّا ولا مقرًّا لكلّ الناس.

هذا كان دائمًا موقفنا ولسنا بذلك مبتدعين. التغيير ابتدأ بالمسايرة لمّا خسر الناس صلابتهم العقائديّة وأخذوا يساوون بين المذاهب ليرتاحوا من كلّ سعي إلى الحقيقة. هم على حقّ إذا ملّوا التشنّجات ولكنّهم يخطئون إذا لم يتمسّكوا بالموقف الصحيح. هذا إخلاص وفي الإخلاص سكينة. والميوعة ليست مسالمة. الصلابة ممكنة مع المحبّة والمحبّة الكبرى والأولى أن أكشف لك الحقيقة. الامتزاج الاجتماعيّ ممكن بالحبّ لا بإضاعة الإرث الرسوليّ الذي لا تسوية فيه ولا مزاج. هناك جسم واحد اكتمل فيه ما كشفه الله لنا. وهذا لا ينتقص منه شيء ولا يزاد عليه. هذا الذي أعطي إلينا دفعة واحدة وإلى الأبد هو الإيمان الأرثوذكسيّ.

المطران جاورجيوس

نشرة رعيتي

10 حزيران 2018

19 Shares
19 Shares
Tweet
Share19