بين الأمس واليوم عيد الرسولَين بـطرس وبـولس

الأب برثانيوس أبو حيدر Monday July 2, 2018 2663

بين الأمس واليوم عيد الرسولَين بـطرس وبـولس مؤسّسَي الكرسـي الأنـطاكـي المقدّس

قراءة في تاريخِ العيد وتحدّيات الكنــيسة أن تبقى في الأمانة نفسهـا

 

يقول القدّيس يوحنّا الذهبي الفم في خطابٍ مدائحيّ لهامتَي الرّسل، إنّه يعجز عن إيجاد كلمةٍ واجبةٍ في مديح مَن تغلّبا على كلّ خليقةٍ في السماء والأرض. مِن صيدِ البحر انتشلَ الربّ بطرسَ ودعاهُ إلى الغوصِ في أعماق البحار العقليّة، لكي بحنكتهِ الماهرة في الصيد يجتذب المؤمنين إلى المسيح بصنّارة كلامه الحاذق. بطرس هو هامة الرسل والأوّل بين متساوين، هذه العبارة التي استقتها الكنيسة من تلك الأيّام ونادت بها وعملت بها حتى اليوْم. أمّا بولس صانع الخيَم، فقد اختاره الربّ لكي يُلبسَ الأمم رداء النّاموس والنعمة، هو الذي كابد أخطارًا من بني جنسه وأخطاراً في البحار، هو الكارز الكبير بالحقيقة، فخرُ المسكونة. والاثنان معلّمان للكنيسة، وفضل وجودِنا اليوم يعود إلى كلام النعمة بواسطة الروح القدس الذان تكلّما بواسطتها “وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً(أع 26:11).

بطرس هو صخرةُ الإيمان بالرب،ّ والمنادي لها الحارّ بالروح القدس. وبولس الذي يدوّي كرعدٍ ويقول “الويل لي إن لم أبشّر” (1كو16:9)، كان البريد السّريع للبشارة الحسنة، والكارز الدؤوب. ينطبق على الاثنين قول المزمور “إلى كلّ الأرض خرج صوتهما وإلى أقاصي المسكونة انبثّ كلامهما”(مز4:18)، هما اللذان ناديا بصوت الربّ. ندعوهما مؤسّسَي هذا الكرسي الرسولي الأنطاكي، الذي يشهدُ على أنّنا كنيسةٌ رسوليّةٌ بشاريّةٌ بامتيازٍ. نحن مدعوّون إلى اقتفاء إثرهما، ونسأل السؤال اليوم: أين نحن من حماسِهما وجرأتهما من اليهود؟ لقد غيّروا ولم يخافوا من البربر، ديسوا ومن الملوك وعُذّبوا، والشيء الأكيد الذي بقي هو كلمة الحقّ القاطع الذي به دحضا كلّ البدع والهراطقة، وفسّرا روحيّة الناموس بعد أن كانا مُتمسّكين به. أيُّ شكرٍ نقدّم لهما اليوم نحن سلالتهما؟ وكيف لنا أن نرفع طرف أعيننا أمامها اليوم خجلاً؟

لاشكّ أنّ كنيسة أنطاكية هي كنيسة شهادةٍ حيّةٍ، بالكلمة والدم، فهي عانت أكثر من غيرها من كلّ أنواع البدع والملل والهجمات الشرسة من كافّة الطوائف. فكانت السفينة تنكسرُ حينًا وتقاومُ الأمواجَ حينًا آخر. هي كنيسةٌ عانت من أشرس الحروب الُممنهجة منذ قديم الأيّام إلى اليوم، هي أرض صراعاتٍ ونزفُ دمٍ لم يندمل قطّ. آه يا أنطاكية الشاهدة اليوم  للإيمان الحقّ أمام كلّ مَن ينادي أنّ الحقيقة هي معه. نحن مدعوّون، كنيسةً وأفرادًا، إلى إعادة برمجة محطّات البثّ والإرسال، لكي تعمل الماكينات الروحيّة مجدّدًا. فالكنيسة اليوم في تحدٍّ كبير لكي تنتقل إلى الشعب، وتُعيد القطيع إلى الحظيرة بصبرِ بولس وحماسة بطرس. نحن مدعوون اليوم إلى وقفة ضمير، إكليروسًا وشعبًا، إلى أن ننزع عنّا كلّ شائبة، وأن نُعيد تحريك الماكينات الروحيّة من صلواتٍ وعيش الإيمان متجسّدًا في حياتنا، وليس فقط من خلال الوعظ ودراسة اللاهوت نظريًّا. الكنيسة اليوم بحاجة إلى شهودٍ للكلمة، والتشبّث بالإيمان المعطى مرّةً واحدةً للقدّيسين (يهوذا3:1)، لكي نُزحزح عنّا جبال خطايانا الثقيلة، حتى لو آلت هذه الشهادة إلى موت الصلب كبطرس أو قطع الهامة كبولس. نحن المسيحيّين نحملُ آلات التعذيب مثل الشهداء كلآلئ لأنّ بواسطتِهم سوف تُعبّد الطريق نحو المسيح. نحن لا نفرح بالألم لكن إن اضطررنا إلى الإختيار بين الموت ونكران المسيح،  نأخذ كلام رسول الأُمم ونقول: “لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ” (في 23:1).

ميزة كنيستنا أنها كنيسة الروح القدس الساكن فيها، لأنّ الربّ في وسطها فلن تتزعزع. في خضمّ هذا العيد، أدعو إلى العودة إلى تقليدنا ورسوليّتنا في نقل البشارة اليوم إلى عالمٍ ينزف وينحطّ. المسيح يتحنّن على شعبه  كما في إنجيل متّى “لأنّهم كانوا منزعجين ومنطرحين مثل خرافٍ لا راعي لها” (متّى 9: 36)، ويقول “اطلبوا إلى ربّ الحصاد أن يُرسل عملةً إلى حصاده”. هذا أكبر دليل على أنّ من يسوس الكنيسة هو الربّ، وليس بذكاءنا أو بقوتنا الشخصية. لذا علينا ألاّ نخاف، لكن أن نلجأ إلى الصلاة “حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ” (أف 16:6) ، أي أن نعيش أسس إيماننا بالصّبرِ والجهاد والصّوم (مت 21:17)، وعدم الإزدراء بأي شيء حتى الصغائر منها مُعتقدين أنّها مادةٌ قديمة العهد.

لنطلبنَّ من ربّ الحصاد أن يُنقّينا من كلّ شائبةٍ بواسطة الإعتراف والتوبة والتواضع “اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً” (1بط5:5). ألم نسمع في نشيد مريم أنه يرفع المتواضعين ويحطّ المقتدرين؟ ألم نتعلّم بعد أنّه يريدُ رحمةً وأنّ السبتَ جُعل للإنسان لا العكس(مر 27:2)؟ هل نقرأ الكلمة في بيوتنا ومن خلال اجتماعاتنا؟ هل نجسّد إيماننا بأفعالنا أمام الأخ القريب والبعيد لكي نكون صنّارته للمسيح؟ هل لدينا همّ بولس الذي اضطُهد من أبناء جنسه أوّلاً بسبب حسدهم وخوفهم على سلطتهم؟ هل نؤمن فعلاً أنّ الكنيسة هي كنيسة المسيح وأنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها؟(مت18:16)، هذه صرخةٌ من الأعماق لأبناء كنيستي، ولي أوّلاً، عسى شوق المحبّة الأولى (رؤ4:2)  أن تضطّرم فينا من جديد لكي نجذب عائلاتنا وأولادنا، ونشهدُ للنّور في عصرٍ فقدَ الكثير من بريـقه. والســـــــــلام.

 

الأب برثانيوس أبو حيدر

تذكار جامع للرسل القديسين 30/6/2018

105 Shares
105 Shares
Tweet
Share105