الأب جورج مسّوح
نشرت الصحف مؤخّرًا خبرًا هامًّا ينقل ما جاء في تقرير داخليّ للمنظّمة العربيّة للتربية والعلوم والثقافة (أليكسو) في تونس، يفيد أنّ عدد الأمّيّين في العالم العربيّ سيبلغ هذه السنة نحو سبعين مليون شخص بين الفئات العمريّة التي تزيد على الـ١٥ سنة، أي بنسبة ٣٥,٦ في المائة وسطيًّا، ما يعادل ثلث سكّان العالم العربيّ. ويضيف التقرير أنّ عدد الأمّيّين إجمالاً يستمرّ في التزايد إذ ارتفع من خمسين مليونًا (٣٧ بالمائة) العام ١٩٧٠ إلى ٦١ مليونًا (٤٨,٧ بالمائة) العام ١٩٩٠، بينما يتوقّع أن يصل إلى سبعين مليونًا في ٢٠٠٥.
قلنا إنّ هذا الخبر هامّ، ونحن نعني أنّه يثير الهمّ والاغتمام ويقلق الفكر والقلب. إذ كيف نجتاز، نحن العرب، عتبة القرن الحادي والعشرين وواحد من ثلاثة من إجماليّ عدد رجالنا ونسائنا لا يعرف القراءة ولا الكتابة. هذا الواقع أليمٌ وله أسباب عديدة ليست هذه العجالة لتزعم أنّها ستطرح حلولاً لمعالجته. غير أنّه يدفعنا إلى التفكّر في حالنا وعلاقتنا بالأمّيّة التي تكتسح شرائح واسعة من المؤمنين، ولا سيّما على صعيد المعرفة البسيطة والعاديّة، لكن الدقيقة في الآن عينه، للإيمان.
لن نذكر هنا أرقامًا لعدد الأمّيّين في كنائسنا ولا نسبًا مئويّة عن مدى انتشارهم في أوساطنا، ذلك بأنّنا ما زلنا نفتقر إلى دراسات ميدانيّة توفّر لنا صورة واقعيّة وصحيحة لما آلت إليه أوضاعنا. لكنّ المتفكّر في هذا الأمر لا بدّ من أنّه سيتعدّى أرقامًا قياسيّة تتجاوز كلّ التوقّعات المتفائلة، وذلك في مختلف الفئات الكنسيّة من العلمانيّين وصولاً إلى بعض سالكي الكهنوت والأسقفيّة. فالجهل، وهو نتيجة الأمّيّة وصنوها، يكاد يكون عامًّا، وهذا الجهل يمتدّ ليشمل الميادين الدينيّة كافّة، ولا سيّما ما يخصّ العقائد والتعليم وممارسة العبادات.
لن نستعيد إلاّ على سبيل التذكّر ما قاله الربّ يسوع لتلاميذه، أي لنا نحن أيضًا أبناء هذا الزمن، بعد قيامته: «اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم معمّدين إيّاهم باسم الآب والابن والروح القدس» (متّى ٢٨، ١٩)، أو ما ورد في الموعظة على الجبل حين قال: «وأمّا الذي يعمل ويعلّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السموات» (متّى ٥، ١٩). والآيات التي تحثّ على التعليم والدرس كثيرة، غير أنّه يجوز التذكير بأنّ «الكلمة» هو اسم من أسماء الربّ يسوع. لكن يبدو أنّ أمّة «الكلمة»، إلاّ قلّة عزيزة، لا تدرس الكلمة في معناها الشامل غير المحدود في الكلمة المكتوبة، ولا تقرأها ولا تسعى لتحياها.
لسنا بظالمين حين نقول هذا الكلام، فما على المرتاب إلاّ أن يعاين على الأرض كيف لا يميّز المؤمنون الانحرافات التي يمارسونها في حياتهم الكنسيّة نتيجة الجهل وعدم تصويب الخطأ؛ أو كيف يصلون إلى التلفيق في مسائل عقائديّة يختلف فيها المسيحيّون… إلاّ أنّ المصيبة الكبرى حين يصل هذا الجهل إلى حيث ينبغي ألاّ يصل إطلاقًا، إلى مَن يُفترض فيه أن يعلّم. فكيف للأعمى أن يقود أعمى؟
لا يسعنا أيضًا إلاّ القول إنّ التقنيّات العلميّة تتطوّر وتتقدّم في كلّ الحقول، ولا سيّما في ميدان تبادل المعلومات كالإنترنت والشاشات الفضائيّة. غير أنّ هذا التطوّر العلميّ، وللمفارقة، يساهم مساهمة فعّالة في ترسيخ الجهل والأمّيّة الإيمانيّة وتوسيع مساحتهما، بدلاً من أن يساهم في بثّ روح المعرفة والحشريّة العلميّة. فالحضّ على البلادة الذهنيّة والتخدير العقليّ هو السمة الغالبة في هذه الوسائل.
لا بدّ، إذًا، من حملة لمحو الأمّيّة على الصعيد الإيمانيّ، تضع نصب عينيها إعادة تثقيف الناس على الأصول وتتجنّد فيها كلّ الطاقات القادرة والفاعلة، كي لا يزداد الجهل فيقضي علينا قضاء لا رادّ له.
مجلة النور، العدد الأول 2005، ص 2-3