لا للحوار الدينيّ مع اليهود قبل الإقرار بالحقّ الفلسطينيّ

الأب جورج مسّوح Sunday May 17, 2009 140

أثارت زيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى فلسطين الكثير من ردود الفعل المؤيّدة لمواقفه والمناهضة لها. فرأينا عربًا ويهودًا، ولأسباب متناقضة متنافرة، يهاجمونه ويتّهمونه بشتّى التهم السياسيّة والإنسانيّة. وأهمّها من جهة العرب عدم وقوفه بشكل حازم مع الفلسطينيّين ومع قضيّتهم العادلة، ومن جهة اليهود عدم اعتذاره منهم عن موقف البابا بيوس الثاني عشر من النظام النازيّ. لسنا هنا في صدد التعليق على هذه الزيارة التي تستحقّ أكثر من مقالة، بل نريد أن نضيء على تفصيل طرأ أثناء منتدى للحوار بين الأديان انعقد في القدس لمناسبة زيارة البابا.

الحادثة كما روتها وكالات الأنباء بدأت حين انبرى قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي لمطالبة البابا، “باسم الله الواحد”، إدانة الجرائم الإسرائيليّة والضغط على الحكومة الإسرائيليّة لتوقف اعتداءها على الشعب الفلسطينيّ. كما طالبه التميمي بإعلان القدس “عاصمة أبديّة وسياسيّة ووطنيّة وروحيّة لفلسطين”. الغريب في الأمر أنّ بطريرك اللاتين العربيّ الجذور والهويّة حاول مقاطعة التميمي وإسكاته. وبعد فضّ المنتدى أعلن الحاخامات الإسرائيليّون مقاطعة هذا المنتدى “ما لم يتمّ عزل التميمي من منصبه”. أمّا الفاتيكان فقد أعلن بلسان أحد الناطقين باسمه أنّ “مداخلة (التميمي) كانت إنكارًا مباشرًا لما يجب أن يكون عليه الحوار”.

ما هي، إذًا، بحسب الفاتيكان، الأسس التي يجب أن يبنى عليها الحوار؟ هل المطالبة بحقّ الشعب الفلسطينيّ بأرضه وباستقلاله وبدولته الحرّة ليست أساسًا للحوار؟ هل المطالبة برفع الظلم والعدوان عن شعب أعزل حوصر زمنًا مديدًا ودمّرت بيوته ليست أساسًا من أسس الحوار؟ هل المطالبة بالضغط السياسيّ اللاعنفيّ على الحكومة المعتدية تنافي أساسًا من أسس الحوار؟ هل يجب على المرء أن يتعامى عن مشاكل أهله وأبناء وطنه؟ وهل يجب أن يكون لطيفًا مع المعتدي عليه ومتفهّمًا للذرائع التي يقدّمها له هذا الأخير؟ هل يجب أن يستغرق في العموميّات فلا يقول كلامًا ذا معنى كي يكون له شرف الحصول على لقب “المحاور”؟

لا يكون الحوار حوارًا إذا لم تكن الصراحة قاعدته. ومن دون ذلك يصبح الحوار تكاذبًا متبادلاً ونفاقًا ديبلوماسيًّا ورياءً فريسيًّا لا تقبل به شرائع الله كلّها. لكنّ ما يعتبره الناطق الفاتيكانيّ قواعد الحوار قد تبنّته المنتديات الحواريّة التي تقوم المستوى العالميّ، وعلى رأسها المؤتمر العالميّ للحوار بين الأديان الذي انعقد في الأمم المتّحدة والذي لم يفضِ إلى أيّ نتيجة عملانيّة. فإن شاء الفاتيكان إرساء حوار مع كلّ الديانات فهذا يقرّره هو بناءً على اعتبارات أو منافع أو مصالح عامّة يرى أنّها تدفعه في هذا الاتّجاه. أمّا نحن العرب، مسلمين ومسيحيّين، فلسنا مضطرّين لمجاراتهم في ذلك، ولأسباب مختلفة.

لسنا معادين للساميّة ولا لليهود كأمّة دينيّة. لكنّنا لا نجد جدوى من الحوار مع المؤسّسة الدينيّة اليهوديّة المتبنيّة للطروحات الصهيونيّة ولممارسات الدولة الإسرائيليّة القائمة على التمييز العنصريّ والدينيّ. إنّهم لن يسمحوا لنا أن ننطق باسم فلسطين ولا أن نذكّر بحقوق الشعب الفلسطينيّ ولا أن نذكر اسم القدس. هم يريدون فقط استعمال جلوسنا معهم إلى طاولة واحدة كي يوحوا إلى الرائين أن لا مشكلة مع العرب، بل المشكلة مع فئة صغيرة “إرهابيّة” ما زالت تحلم بحياة كريمة في أرض آبائها وأجدادها.

الحوار يكون بين أبناء قضيّة واحدة أو يكون شيئًا آخر، تفاوضًا أو استسلامًا أو ما يشبه ذلك. الحوار بين الأديان التوحيديّة الثلاثة ليس سوى ستار للقضاء على قضيّة الشعب الفلسطينيّ. نحن بأمسّ الحاجة إلى حوار مسيحيّ إسلاميّ محلّيّ، ونشدّد على محلّيّة الحوار، نضع على طاولته مشاكلنا وهمومنا بغية الوصول إلى رؤى مشتركة وإلى سبل مشتركة نسلكها معًا للدفاع عن قضايانا ضدّ مَن يسعى إلى طمسها أو دفنها إلى الأبد. ثمّ بعد ذلك فقط حدّثونا عن الحوار بين الأديان.

 

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 17 أيار 2009

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share