“كان بإمكاني أن أقتل جميع يهود العالم، ولكنّي تركت بعضًا منهم لكي يعرف العالم لماذا أقتلهم”. هذا القول المنسوب إلى أدولف هتلر، زعيم النازيّة، أعجب أحد الكهنة المسيحيّين فنشره على حائطه الفايسبوكيّ ووزّعه على أصدقائه متباهيًا بفعلته. وقد أتت ردود فعل الأصدقاء على هذا القول متفاوتة ما بين الإعجاب الأقصى والاستهجان المطلق.
ألا يدري المتحمّسون لهذا القول أنّهم يخدمون إسرائيل والعقيدة الصهيونيّة حين يروّجون لهذا القول وسواه من الأقوال العنصريّة؟ إذا كانوا يدرون فتلك عمالة دنيئة، وإذا كانوا لا يدرون فتلك مصيبة شنيعة علينا وعلى فلسطين وشعبها الذي يعاني يوميًّا من العنصريّة الصهيونيّة. وألا يدري هؤلاء أنّهم يخدمون إسرائيل حين يواجهونها بعنصريّة لا تقلّ عن عنصريّتها؟ وكيف لنا أن نصارع العنصريّة بعنصريّة مماثلة؟ ألا نخون مبادئنا الدينيّة حين ننزلق إلى مثل هذه الانزلاقات العنصريّة؟
كيف يمكن كاهنًا مسيحيًّا أن يتبنّى قول أحد أعظم المجرمين في التاريخ من دون أن يرفّ له جفن؟ هل يعلم أنّ هتلر أحرق أطفالاً وعجائز ونساء ورجالاً ليس ذنبهم سوى أنّهم يهود أو غجر أو صرب أو بشر ينتمون إلى قوميّات اعتبرها دون قوميّته الآريّة؟ هل عمل هتلر يندرج، وفق هذا الكاهن، في خانة الفضائل المسيحيّة والتعاليم الإنجيليّة؟ وهل يتوافق هذا القول وينسجم مع ما صنعه المسيح على الصليب؟
في صراعنا ضدّ إسرائيل وعنصريّتها ينبغي أن نميّز ما بين العقيدة الصهيونيّة والديانة اليهوديّة. فغير صحيح أنّ كلّ يهوديّ هو صهيونيّ حتمًا، وليس صحيحًا أنّ كلّ صهيونيّ هو يهوديّ حتمًا. فثمّة مسيحيّون متطرّفون هم من غلاة الصهاينة، وثمّة يهود يرفضون الدولة الصهيونيّة وهم من أصحاب الفكر الإنسانيّ الحرّ، ومن المدافعين الشرسين عن حقوق الشعب الفلسطينيّ بأرضه وبالعيش بحرّيّة وكرامة.
صراعنا ضدّ إسرائيل ليس صراعًا بين الديانات، بل صراع مع دولة اغتصبت أرض شعب آخر وطردته منها، وما زالت مستمرّة في غيّها وعدوانها. وإذا كان قادة العالم الحرّ، وعلى رأسهم الولايات المتّحدة الأميركيّة، يدعمون تسمية إسرائيل بالـ”الدولة اليهوديّة”، فإنّ انزلاقنا إلى مواقف عنصريّة ضدّ اليهود لا يخدم سوى الأهداف الإسرائيليّة، ويمنح إسرائيل الذريعة المناسبة للحصول على شرعيّتها في وجه المسلمين والمسيحيّين على السواء.
صراعنا مع إسرائيل صراع حضاريّ وإنسانيّ وقوميّ ووطنيّ. وهو أيضًا صراع دينيّ، لا من حيث إنّه صراع ما بين الديانات على حقّ إلهيّ يزعمه كلٌّ منها، بل من حيث إنّ الديانات تساند المضطَهد والمقهور والمعذَّب، وهو هنا الشعب الفلسطينيّ. لذلك، فإنّ تحوّل الصراع مع إسرائيل إلى صراع ما بين اليهوديّة من جهة، والمسيحيّة والإسلام من جهة أخرى، لا يصبّ سوى في مصلحة إسرائيل. وهذا ما بدأنا نرى ثماره منذ مدّة مع تنامي النبرة الدينيّة على حساب سواها في الخطاب ضدّ إسرائيل.
جرائم إسرائيل العنصريّة ضدّ المسلمين والمسيحيّين في فلسطين وما يحيطها من أوطان عربيّة، وجرائم بن غوريون وبيغن وشارون ونتنياهو وسواهم من قادة الدولة الإسرائيليّة ينبغي ألاّ تجعلنا نؤيّد جرائم هتلر أو ستالين أو موسوليني. جرائم إسرائيل نواجهها بما يناسب مبادئنا نحن، لا بما يوافق مبادئها هي. ومبادئنا تشرّع لنا المقاومة بأساليب عدّة. ينبغي ألاّ نفقد روحنا في هذا الصراع.
الأب جورج مسّوح
“النهار”،2 تشرين الثاني 2011