“خواطر في المؤتمر الداخليّ الـ 30 لمركز طرابلس” (26-27 ت2 2018) من كتابة الأخ عماد الحصنيّ
تَعُودُ إلى “المؤتمر” بعد انقطاع فَرَضَتْهُ عليك ظروفُ المهنة ومتطلِّباتها. يغمُرُكَ، منذ لحظات وصولك، النُّورُ المُتَجَلِّي محبَّةً وفرحًا في وجوه الأخوة. ترتاح من الدَّاخل وأنت تستمِعُ إلى كلمات مزمور الغروب يتلوها ملاك الأبرشية سيّدنا أفرام “… أُسَبِّحُ الرَّبَّ في حياتي وأُرَتِّلُ لإلهي ما دمتُ موجودًا…”.
تستمعُ إلى كلمة ترحيبيّة تَفيضُ لطفًا ومحبَّةً من رئيسة المركز الأخت ميرنا عبّود، وهي تختتم ثلاث سنوات مضيئة من خدمتها الحركيّة في كنيسة المسيح. تتأمَّل، من موقع الأخ القريب والمُطلِع، في تكريس الأخت ميرنا في العمل الكنسيِّ وفي مثابرتها وتضحياتها، كما في تكريس العديد من شابَّات وشباب الأبرشيّة وأنطاكية أنفسهم، لترفع الشكر للرَّبِّ الفاعل في كنيسته بنعمة روحه القدُّوس المنسَكِبَة عليهم، ليبقوا على سعيهم أن يكونوا من “ملح الأرض”.
تُسَرُّ بكلمات توجيهيّة هادئة يُذَكِّرُ بها راعي الأبرشيّة المتروبوليت أفرام أعضاء المؤتمر: الالتصاق بالمسيح دائمًا، قراءة كلمة الله وطاعَتها، إذ في ذلك مواجهةٌ للغرق في المادِّيَّات، كما شَدَّدَ على قدرة الإنسان المُكرّس والمُحِبِّ لله على إيجاد الوقت لخدمة الكنيسة والإخوة بالرّغم من كلِّ الصُّعوبات.
تعود مع مداخلة الأمين العام الأخ فادي نصر إلى الـتَّدقيق مُجدّدًا في مفهوم حرّية أبناء الله ودور الحركيّين في التربية على عيشٍ صحيحٍ لِهذه الحرّية في رحاب الكنيسة والعالم. تتذكَّر أيضًا، من وحي كلامه، ما نشأتَ عليه في الحركة بأنَّ “الفقراء هم سادة هذه الكنيسة” وبِأنَّ الربَّ يسوع وحَّدَ نفسه بالجائعين والمسجونين والمرضى في إنجيل الدينونة “كنت مريضًا فزرتموني …”
تُشارِك في جلسات المؤتمر على مدى يومَين، بحضور وفودٍ من جميع فروع المركز. تستمع إلى تقارير ونقاشات وأفكار وتوصيات تُؤكِّدُ لك مجدّدًا أنَّه على الرّغم من أنّ “الحصاد كثير والفعلة قليلون” في كنيستنا، إلَّا أنَّ الرُّوح ما زال يعصف فاعلًا فيها، والشعلة ما زالت تنتقل.
تجذبك بشكل كبير، مع سائر أعضاء المؤتمر، جلسةٌ شبابيَّةٌ أعطت أبلغ دليل على انتقال الشعلة الحركيّة، بنعمة الرّوح، من جيل إلى جيل. مَنَحَتِ الجلسَةُ لثلاثة شابَّات وشابَّين من الجامعيّين من عدّة فروع، فُسحةً ليقولوا فيها، بحريّة كبيرة، ما يشاؤون في أمور الكنيسة والحركة والرّعايا والفروع واهتمامات الشّباب وغيرها. فإذا بالمؤتمر أمام نموذج من جيل شبابيٍّ جديد، واعٍ، مسؤولٍ، مُثقَّفٍ، رصين وواعد. اتَّسم عَرضُ الشبيبة الَّذي تطرَّقَ إلى معظم مجالات العمل الكنسيّ والحركيّ، كما تفاعلهم مع النقاش الَّذي تلاه، بالجِدِّية والعمق والجرأة والرُّوح العلميّة. تُفرِحُكَ كثيرًا هذه الجلسة المميَّزة، وتطمَئِنُّ، مع شبابٍ كهؤلاء، إلى أنَّ الشعلة لن تنطفئ، وإلى أنَّه سيبقى دائمًا، في الكنيسة، من يسمَع نداءَ المتروبوليت بولس بندلي: “هَلُمَّ نَأتي إليه ونحن نحمل صليب الأخوة!”
تتَّسِعُ آفاقُكَ الكنسيّة وأنت تَستَمِعُ الى الأخ رينيه أنطون مُتَحَدِّثًا حول “الوَاقع الكنَسيّ اليوم ودور الحركة”. فبَينَ مشاكلنا في الأبرشيّة والأزمات والجروح فيها، وصعوبة واقعنا الأنطاكيّ، والوضع الأرثوذكسيّ العالميّ لا سيَّما على ضوء أزمة كنيسة أوكرانيا، تبرُزُ الحاجَةُ إلى الصَّوتِ النَّبويّ في الكنيسة، وإلى الترويّ والحكمة في إعلان الموقف الَّذي يرجو ويعمل على جمع “المتفرِّقين إلى واحد”. وهذا الرَّجاء، المقتَرِنُ بالسَّعي العمليّ للحفاظ على وحدة الكنيسة، هو ما حمَلَهُ بيانُ المجمع الأنطاكيّ المقدّس الأخير وبيان صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر المشترك مع بطريرك صربيا.
تشهَدُ على اختيار الجماعة خادِمَتَها الجديدة (رئيسة المركز الأخت باتي حدَّاد)، في أكثر جلسات المؤتمر صُعُوبة وفرحًا في آنٍ معًا. ليس في الحركة مَنْ يُرَشِّح نفسَه أو يسعى إلى “المواقع” ويَطلُبَها. الجميعُ يعتَذِرُون ويُقَدِّمون الآخَر عَن أنفُسِهم. أبقَتِ الهيئةُ التَّرشيحيَّةُ على أسماءِ سِتَّة إخوة مشهودٍ لهم جميعًا بالتَّفاني في الخدمة والعطاء وتكريس النَّفس. احتاجَ المؤتمرُ إلى ثلاث دورات انتخابيَّة ليحسم اختياره. تعادلَتِ الأصوات مرارًا وتقاربت. يُفرِحُكَ هذا ويَدفَعُكَ إلى رفع الشُّكرِ للرَّبِّ مُجَدَّدًا، لأنَّ مَا حصل يعني، ببساطة، أنَّ المؤهَّلِين للخدمة والقيادة كُثُر، وأنَّ المرحلة المقبلةَ سَتَشهَدُ، بِنِعمَةِ الرَّبِّ، الكثيرَ من الخدمة والعمل في حقلهِ …
تُوَدِّعُ الأخوةَ في اختتام المؤتمر فَرِحًا بساعات قَضَيتَها معهم على مدى يومين، أمَدَّتكَ بالكثير من طاقةِ الحُبِّ والعطاء، ووطَّدَت فيكَ الرَّجاءُ في استمرار الجماعة الحركيَّة في التزام خدمتها الأولى ورؤيتها النَّهضويَّة. تُدرِكُ في داخلك أنَّ هذه الاستمرارية لا تَستَقيمُ ما لم يَضع الحركيُّون أنفسهم، جماعةً وأفرادًا، أمام التَّحدِّي الدَّائم الَّذي ذكَّرهم به ملاكُ الأبرشيَّة في مُستَهَلِّ مؤتمرهم، تحدِّي أنْ نبقى في الحركة دائمًا جماعة “توبة وتجَدُّد”.