في مقالة ممتازة لهالة حمصي في صحيفة “النهار” (29 تشرين الثاني 2017) استعادت فيها آراء الأزهر الشريف والإمام أحمد الطيّب شيخ الأزهر. عنوان المقالة يتضمّن الرأي الثابت: “الأزهر لا يكفّر داعش … الحلّ الوحيد قتالهم وقتلهم”. أمّا موقف شيخ الأزهر من مسألة تكفير داعش فيوضحه صاحب الشأن عام 2015: “حتّى لو ارتكب داعش كلّ الفظائع، هل أستطيع أن أحكم عليه بالكفر؟؟ لا، لا أستطيع. بل أحكم عليه بالفسق والخروج، بمعنى أنّه من المفسدين بالأرض… الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص طالما يؤمن بالله واليوم الآخر، حتّى لو ارتكب كل الفظائع”. ويوضح إبراهيم الهدهد الرئيس السابق لجامعة الأزهر: “لا حاجة لنا إلى أن نقول كفّارًا أو غير كفّار. لكنّ الأمر الأساسيّ هو هل يجوز للدولة أن تقاتل هؤلاء وتقتلهم، لأنّهم اعتدوا على آمنين في بيت من بيوت الله، وهم مفسدون في الأرض”.
ونزيد على هذا الكلام ما أورده موقع “العربيّة” (2 كانون الأوّل 2015) في شأن موقف شيخ الأزهر بعدم جواز تكفير داعش. أمّا الحجّة في ذلك: “لكي تكفّر شخصًا يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن. ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلاّ إنكار ما أدخلت به”. ثمّ يتساءل: ما حكم شخص يؤمن بتلك الأمور ويرتكب إحدى الكبائر، هل يصبح كافرًا؟ هناك بعض المذاهب تقول إنّ مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو مؤمن عاصٍ، فلو أنّه مات وهو مصرّ على كبيرته لا تستطيع أن تحكم عليه أنّه من أهل النار، فأمره مفوّض لربه”.
الواضح أنّ موقف الأزهر وعلمائه من مسألة تكفير داعش أو سواه من الجماعات التكفيريّة له جذور راسخة في التراث الإسلاميّ. لو كان العكس هو الصحيح لما استهاب الأزهر تكفير أيّ من هذه الجماعات. لكنّ الأزهر وضع الدولة أمام مسؤوليّتها في قتال داعش وقتلهم لأنّهم مفسدون في الأرض. هذا الكلام وضع الأمور في نصابها، حيث الدولة هي المسؤولة عن أمان البلاد واطمئنان العباد، هي المسؤولة عن فرض الأمن، وبالقوّة، وبسطه على كامل أرض الوطن. التكفير المتبادل قد يصوّر المسألة بكونها نزاعًا إسلاميًّا ما بين مسلمين، ما يعفي الدولة من قيامها بمهامّها الأساسيّة. لذلك التكفير المتبادل قد لا يجدي في هذه الفتنة بل قد يزيد سكب الزيت على النار. لذلك، قد تكون فتوى الأزهر بجواز قيام الدولة بقتال داعش وقتلهم، أجدى بكثير.
لكن يبقى صحيحًا التأكيد على كون الإسلام بريئًا من جرائم “داعش” وأفعاله الشنيعة، غير أنّ تعميم ثقافة الكراهية ونبذ الآخر الدينيّ أو المذهبيّ فمسؤولة عنه المؤسّسات الدينيّة التي لم تقم بواجبها في تعميم ثقافة الاحترام المتبادل والمساواة التامّة ليس بين المسيحيّين والمسلمين وحسب، بل بين المذاهب الإسلامية أيضًا. فتلك المؤسّسات نفسها مسؤولة عن تعميم ثقافة الكراهيّة بين المذاهب الإسلاميّة، إذ إنّها لم تقم بما يكفي لتعميم ثقافة قبول الآخر، لإزالة أسباب الانقسامات والخلافات الدينيّة ما بين المسلمين أنفسهم.
الأب جورج مسّوح
“النهار”،2 كانون الأول 2017