صاحب السّيادة،
أيّها الآباء الأجلّاء،
أيّها الإخوة المحبوبون،
بيت أردناه على اسم المطران الحبيب جورج، أبينا وراعينا وهادينا إلى الحقّ. وكلمة بيت مشتقّة من بات أي أدرك الإنسانَ الليلُ فلجأ إلى مكان يركن إليه وتطمئن إليه نفسهُ. لقد أدركَنا الليل الدامس كليالي الأهلّة، فالتمسناك منارةً مضيئةً مرشدةً إيّانا إلى النور الحقيقي الذي لا يمكن أن تدركَه الظلمةُ. نعم، وجدنا فيك يا سيّدي المكانَ الذي نبيت فيه لربّنا سجَّدًا وقيامًا.
لقد اشتعلتَ بالروح القدس منذ نيّف وخمسين سنة، حينها كنت طريَّ العود، غيوراً على كنيسة إلهك، محبًّا لكلمته. فأسّست، مع بعض أترابك، هذه الحركة النبويّة النهضويّة المباركة التي اسمها حركةُ الشبيبة الأرثوذكسيّة. واشتعل رأسُك شيبًا وأنت كما أنت لم تفقد محبّتك الأولى، بل بالأحرى زادك العمرُ جمالاً على جمالٍ، استقيتَه من عند ربّك، ربّ الناس أجمعين فأبهيتَ، لذلك تباهت الكنيسة ببهائك.
ندين لك، نحن جيلُ شبابِ اليوم، بالكثير أيّها السيّد. فأنت مَن علّمنا، في بساطةٍ أصيلة، كيف يكون الإنجيل محييًا، يسيرًا، لا عصيًا، إذا سلّمنا مشيئتنا لله. أنت من ذكّرنا أن الغِذاء الحقيقيَّ هو جسدُ ربّنا يسوع المسيح، فعدنا إلى ممارسة الأوّلين لجهة المناولة الدائمة. أنت من علّمنا أنّ القباحة في الكنيسة – التي تبقى مكانَ النجاة عندك – لا يبيدها إلَّا الذين يتجمّلون بالربّ. أنت من علّمنا أنّ وجودنا في هذا الشّرق إنّما هو وجود أصيل، فجاهدت لإيصال كلمة الله باللسان العربيّ المبيّن. ويضيق الوقت لذكر كلّ ما علّمتنا فهذا ليس سوى غيضٍ من فيض. إنّنا لا نبالغ إذا قلنا اليوم إنّك أنت معلّمنا وأبونا ومهيّئُ طريقَنا إلى حيث الفرحُ الأبدي، إلى ملكوت الله.
لأجل هذا، وددنا أن نطلق اسمك على هذا البيت حتى نبقى أمينين على تعاليمك، إذ هكذا نكون أمينين على تعاليم السيّد المسيح نفسه. فكلمة الله، مقروءةً في القرن العشرين، أخذناها عنك.
هذا البيت أردناه مكانَ لقاء وتواصل بين المؤمنين في كلّ الأبرشيّة، مكانَ نهلٍ للمعرفة والعلم.
لهذا سوف ننظّم الندوات والمحاضرات وحلقات تدريب المسؤولين واللقاءات العامّة والحلقات الدّراسيّة الكتابيّة والليتورجيّة والآبائيّة. كما سيكون عندنا مكتبةُ مطالعة مكتمِلَةٌ. باكورة نشاطاتنا هي ندوةٌ حول فكر المطران جورج خضر يتكلّم فيها الأب إيليا متري والدكتور أديب صعب والدكتور خالد زيادة وذلك في التاسع من حزيران. رجاؤنا أن يزيل وجودُ هذا البيتِ بعضَ ما كان يعترض نشرَ النَّهضةِ في الكنيسة، وأن يصبح منارة إلى جانب منارات أخرى في ليل هذا العالم الداكن.
نشكر للذين ساهموا، مادّيًّا أو تعهّدًا، فلولا مساهماتُهم لَما تمّ إنجازُ الأعمال في البيت وتجهيزُه. لن أذكر أيًّا منهم حتَّى لا تُهتَك المروءةَ.
نعدكم جميعًا أن نسعى إلى أن يكون هذا البيت المفتَتَح اليوم مكانًا يلبّي حاجاتنا وطموحاتنا إلى بنائنا وبناء أجيال كنسيّة تائقةٍ إلى العيش في قلب الله، ممتدّةٍ منه إلى كلّ قضايا الإنسان المعاصر وهمومِه، عاملةٍ على إيصال كلمته الـمُحيية ومنفتحةٍ بخاصّةٍ على الحوار واللقاء مع كلّ من يدعو باسمه.
دعاؤنا أن يطيل الله عمرَ سيّدنا جورج، فنحن ما زلنا بحاجة إليه وإلى فكره واستقامة آرائه وإرشاداته. وجهُه يعزّينا في أيّام إحباطاتنا وكلمتُه تردّنا إلى الطريق القويم.
فإلى أعوام عديدة يا سيّد.
مجلة النور، العدد الثاني 1997، ص 77-78