عاش الأنبا أور سنين طويلة في العزلة في عمق الصحراء المصريّة. أسلَم نفسَه لنُسك صارم. كان يقتات من الأعشاب البرّية يأكلها نيئة. لا يشرب الماء إلّا متى وجدَه. اعتاد الصلاة ليلًا نهارًا لخلاص كلّ الناس. قال كأنّه عن آخر إنّ ملاك الربّ بقيَ يأتيه بغذاء سماويّ ثلاث سنوات. لمّا تقدّم في السِنّ ظهر له ملاك في الحُلم ودعاه لاستقبال الناس واعدًا إيّاه بكلّ ما يحتاج إليه لمعيشته. أتاه العباد بالآلاف ليتعاطوا الرّهبانيّة في عهدته. كلّما أتاه طالب، أوّل أمره، كان يبني له، بيدَيه، قلّاية من طين. فمتى وفّر له ما يحتاج إليه ليسلك بلا تشتّت فكر غادره. هذا كان سعيه. ذات مرّة فيما كان يبني قلّاية بمعيّة الأنبا ثيودوروس، قال أحدهم للآخر: “لو أتانا الله زائرًا الآن فماذا كنّا نفعل؟” فلمّا قالا ذلك بكيا وتركا الطين وذهب كلّ إلى قلاّيته. عاش إلى سِنّ التسعين. كانت له لحية بيضاء طويلة. طلعته كانت كطلعة ملاك مشعّ من حضرة الله فيه. اعتاد أن يقبل الزائرين ويغسل أقدامهم ثمّ يعلّمهم العقائد القويمة. كانت له نعمة معرفة الكتاب المقدّس ولمّا يتعلم القراءة. من ثمّ، كان يدعوهم إلى رفع الصلوات إلى الإله القدير. كان يسوس تلاميذه بحكمة فائقة حاضًّا إيّاهم على جعل حياتهم صلاة متواترة وألّا تدخل قلّايتهم كلمة غريبة عن سعيهم المقدّس. كان الإخوة، في الكنيسة، اقتداء بأبيهم الروحيّ، يتصرّفون بتقوى فائقة وانتباه عميق كما لو كانوا في السماء، في حضرة الملائكة والمختارين، يتلألأون بالنّور. قالوا عنه إنّه لم يكذب البتّة ولم يحلف ولم يلعن أحدًا. كما لم يكن يتكلّم دونما حاجة أو مبرّر.
من أقواله: “عندما يأتيك فكر التشامخ والكبرياء، افحص ضميرك إذا كنت قد حفظتَ كلّ الوصايا أو أحببتَ كلّ أعدائك. وهل تحزن لهلاكهم. وإذا كنت تعتبر نفسك عبدًا باطلًا وخاطئًا أكثر من جميع الناس. ولا تظنّ أبدًا أنّك قد قمت بهذا كلّه، عالمًا أنّ هذا الفكر يلاشيه كلّه”.