إنّ حادثة الشفاء المذكورة في هذا المقطع من إنجيل مرقس واردة في إنجيل مرقس فقط من دون بقيّة الأناجيل، وهي تتّصف بطريقة ليسوع في الشفاء غير مألوفة لديه. قد يكون هذا للدلالة على معنى روحيّ عميق يخصّ حالة معظم المؤمنين وسلوكهم غير الواعي.
جاءوا إلى يسوع بأصمّ أخرس، وطلبوا إليه أن يضع يده عليه. ولكنّه أخذه من بين الجمع على حدة، ووضع أصابعه في أُذنيه، وتفَلَ ولمس لسانه، ورفع نظره نحو السماء، وتنهّد وقال له: »إفَّثا انفتح«.
لا شكّ في أنّ هذه هي المشكلة الأساسيّة والعمل في الحياة الروحيّة، المُهمَل إجمالاً: أنْ ننفتِح، ألاَّ نبقى منغلقين. وهذا ما يحدث، مع الأسف، كثيرًا وكثيرًا جدًّا.
يسوع تنهّد، إنّه يتنهّد على انغلاقنا. على بقائنا مسكَّرين في منطقنا النفسيّ غريبين عن فكر المسيح… نبقى منطقيّين منغلقين في منطقنا الأرضيّ، من دون الانعتاق والارتقاء إلى الصعيد السماويّ إلى مستوى الملكوت. »لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض«.
أخذ يسوع الأصمّ على حدة بعيدًا عن الجمع، وكأنّه لا بدّ لعمليّة الانفتاح من أن تتمّ في الخفاء نوعًا ما، في الداخل، في العمق. »وأوصاهم أن لا يقولوا لأحد(١)«.
لم تتمّ عمليّة الانفتاح بوضع اليد، أي بالبساطة السريعة المألوفة، بل بحركات عديدة، لأنّ الانفتاح لا يجري إجمالاً بسهولة كفِي بقيّة أنواع العجز والأمراض. إنّه شيء عميق كيانيّ يقتضي السعي الحثيث في جهاد طويل.
ويبدو لي أنّ هذا يتطلّب أمرين اثنين:
الأوّل معرفة الذات حقًّا، أي معرفة مدى عجزنا ودنسنا (»هلمّ واسكن فينا، وطهّرنا من كلّ دنس«)(٢)
والثاني الثقة الكلّيّة والاتّكال الكلّيّ على رحمة اللَّه التي لا توصف، »طوبى للإنسان الذي يتّكل عليك« (مزمور ٨٣: ١٢).
إنّ الصلاة الأكثر ملاءمة، في هذه الأيّام الشرّيرة، تنتمي إلى الانفتاح. يقول الربّ يسوع “إنفتح”. فلا بدّ من صلاة حارّة ملحّة، في كلّ حين، صلاة بدموع: انفتح. يا ربّ، افتح أذهان المؤمنين وقلوبهم، افتح حياتهم، ليعوا، ويحسّوا، ويروا أين هو خلاصك وسلامهم. وإنّه بك وحدك الخلاص والسلام.
وربّما يلخّص ما تقدّم بقول المسيح للقدّيس سلوان الأثوسيّ: “احفظ ذهنك في الجحيم، ولا تيأس”.