“الحبّ قويّ كالموت”… عبارة من سفر نشيد الأناشيد تقول لنا إنّ هذه المأساةَ الكبرى التي يشعر الإنسان بقوّتها تهزّ كيانه، وتدفعه الى اليأس القاتل، ألا وهي الموت، تقابلها قوةٌ مثلها، ألا وهي قوّة الحبّ، ينهزم أمامها الجميع، قوةٌ جبّارةٌ تقلب حياتك وتشعل في ظلمة أعماقك نورَ بداية لا تنتهي.
من يمشِ في شوارع بيروت المتهالكة وسط الركام يشعر بطاقة إيجابيّة تغمر المكانَ، طاردة شبح الموت بقوّة غريبة، طاقة منبعثة من شباب مفعمين بالحياة والنشاط والعزيمة، مفعمين بالحبّ.
تجدهم في كلّ مكان يضعون لمساتهم الدافئة على القلوب المتصدّعة علّهم بذلك يمسحون دمعة من عيون حزينة، ويرسمون بسمة تعطي أملًا بغدٍ أفضل.
هذه المبادرات لا تكفي، وحجم المأساة أكبر بكثير، ولكنّها شعلة ضوء وسط ظلامٍ كثيرٍ، ولمسةُ حبٍّ لطيفةٌ وسط برودة الواقع القاسية. هي شرارة حياة في قلب الموت.
إنّ تزامن هذه المأساة مع صوم والدة الإله، يقول لنا تشبَّهوا بمريم ولِدوا المسيح للعالم. نعم هذا هو إيماننا، أن نكون مريميّين، أن نلد المسيح إله المحبّة والرجاء والعدل لكلّ العالم.
قال لنا المسيح: “إنّني جئت لتكون لهم الحياة وتكون لهم أفضل”، وإن أردنا أن نُدعى أبناءه علينا أن نتمّم رسالته. أي أن نجعل الآخرين في عمق مأساتهم يلمسون محبّة المسيح، ويشعرون به من خلالنا، قريبًا منهم يمسح عن عيونهم كلّ دمعة، ويبلسم قلوبهم الحزينة. يجب ألّا نكتفي بتأمين الحاجات الأساسيّة، الماديّة والمعنويّة، بل علينا أن نطالب بالحقّ والعدل وإنصاف البائس والمظلوم لتكون هذه الحياة لهم أفضل.
علينا أن ننقلَ للعالم المسيحَ، حياةَ العالم الذي غلب الموت مرةً وإلى الأبد. المسيح غلب الموت بكلّ أشكاله، فإنّنا لم نعد عبيداً للموت، ولا لأيّ سيّدٍ آخر لأنّ الربّ اشترانا بدمه. نحن أبناء الحياة، فلنسلك إذًا كأبناء للنور طاردين كلَّ ظلمات هذا العالم الباطلة.
غدًا نعيّدُ لرقاد العذراء، أمِّنا جميعًا، ولانتقالها “من الموت إلى الحياة، لأنّها أمّ الحياة”. فلنرفع صلواتِنا إليها كي تنقل بلادنا معها من الموت إلى الحياة، حياةٍ أبهى، حياةٍ مع المسيح حيث تُحترمُ حقوق الإنسان، ويسود العدل والحقّ، حيث المحبّة هي الشريعة الأولى، حيث الفرح الذي لا يعتريه حزنٌ، حيث يتحقّق الملكوت الآن وهنا.
أرجان تركية