طرح قضية الوحدة المسيحية

ألبير لحام Wednesday February 7, 1951 202

للأستاذ ألبير لحام

 

في بلدٍ مثل لبنانَ، تعدّدت فيه الطوائفُ الدينيةُ، وتشابكت فيه السياسةُ والطائفيةُ وبُنيَت وحدتُه على التوازنِ الدقيق بين مختلف الفئات الدينية التي تتألف منها الأمة، يتبادر للأذهان لأول وهلةٍ، أنه إذا ما اجتمعَ المسيحيّون لبحث قضية الوحدة المسيحية، فإنما يجتمعون على الصعيد السياسي الطائفي، في سبيل إيجاد كتلةٍ متراصَّةٍ تجابهُ الطوائفَ الأخرى، وتدافعُ عن مصالح سياسية: اقتصادية واجتماعية، وإن دعوتـهم هذه إلى الوحدة، إنما تصدرُ عن روحٍ رجعية هدّامة، تضعُ في خطرٍ كيانَ الوطنِ واتحاد أبنائه.

وقد سألني فعلاً بعض أصدقائي في الأسبوع الماضي عن مغزى هذا الاجتماع الذي دُعيتم إليه، فأسِفَ البعض لإثارةِ النعرةِ الطائفية في ظروفٍ دوليةٍ حرجة، بينما عبّر البعضُ الآخر عن سروره لأن المسيحيين تحركوا أخيراً لتنظيم صفوفهم وتوحيدِ كلمتِهم.

إلاّ أنني أعودُ من على هذا الـمِنبر، فأطمئنُ مرة أخرى الخائفين على الوحدةِ الوطنية، وأبشّرُ مرة أخرى بخيبة الأمل من كان ينتظرُ بعثَ الطائفية – مؤكّداً بصراحة كلية أننا لم نجتمع هنا للدعوةِ الى تكتّل مسيحي طائفي جماهيري سياسي، ولا للبحثِ في شؤون الطوائفِ المسيحية كهيئاتٍ اجتماعية وكياناتٍ معتَرَفٍ بـها كعناصر في سياسةِ الأمة، بل اجتمعنا هنا على صعيدٍ ديني روحي كنسي محض، لنبحث أمورنا المشتركة كمؤمنينَ برب واحد، ومخلّص واحد، وكمدعوين معاً لحملِ رسالةِ الخلاصِ إلى عالمٍ خاطئٍ فاسد، فرّقت بيننا عبرَ الأجيال، العقائدُ والعوائد…

***

…نحن هنا لكي نتأملَ قليلاً في سر خلافاتنا كمؤمنين، وفي إرادةِ الله من أجل المسيحيين. نحن هنا لكي نطرح مشكلةَ الوحدةِ المسيحية، بروحِ المحبة، على ضوء المسيح، لا لكي نزرع التفرقة والتنافر بروح الحقد والتناحر، في ظلمات هذا العالم.

أيـها السادة، إن الوحدة هي من صفاتِ الله، وهي الطابعُ المميّزُ لكل ما هو منَ اللهِ وفي الله. وقد كان عالـمُنا قبل سقوطِ الأبِ الأول، مثالاً للوحدةِ المتكاملة والانسجام العجيب: فانسجامٌ بين الإنسانِ وخالقه في طاعة المخلوق للخالق؛ وانسجامُ الإنسانِ مع نفسه بإتزان تام بين الروح والجسد، وبين حواسهِ النفسانية المختلفة؛ انسجامٌ بين الرجل والمرأةِ الأولَّين، حتى أنـهما لم يكونا اثنين بل واحداً كما يقول الكتاب؛ وانسجامٌ بين الإنسان والطبيعة المادية المزدهرة، في خدمة الروح. لقد كان عالمُ ما قبل الخطيئة يحملُ صورةَ الله فيه. كان واحداً بالرغم من تعدّدِ عناصرهِ.

إلاّ أن خطيئةَ الإنسان، وتمرّده قد هدما هذه الوحدةَ الرائعة، وأدخلا إلى العالم سيلاً من التفرقة والخلافات والانشقاقات. فانقسم الانسانُ على نفسه، في صراعٍ بين الروح والجسد، حتى أن الطبيعة المادية نفسها ثارت على الإنسان، وأنبتتْ له شوكاً وأحدثت له الفواجع والكوارث.

وإذا بمحبّة الله تجعلُ من التاريخ البشري ميداناً للعملِ الإلهي الخلاصيّ، وقيادة بالنعمةِ نحو الوحدةِ القديمة، بواسطة شعبٍ مختارٍ تتجسَّدُ فيه هذه الوحدة ويَتِمُّ به هذا الخلاص. فإنه من الشعبِ الإسرائيلي الذي أكملَ رسالتَه وأفرغَها بولادةِ الربِ المخلّص، إلى الكنيسة المسيحية التي تكمل مشيئة الربَّ في التاريخ، يستمر استعلانُ مشيئة الله التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة، وهي أن يعود فيجمع كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض حتى يصيرَ الكلَّ في الكلِّ، وأن يعيدَ الإنسانَ في المسيحِ إلى الوحدة المفقودة، وحدتِه مع الله، ومع نفسه، ومع اخوانه والطبيعة.

وهكذا يتعدى التدبير الخلاصي مغفرةَ الخطايا؛ إن الربَّ إذ رفعَ الخطيئةَ، أعاد الطبيعةَ إلى حلتها الأولى، ونقضَ حائطَ السياج والعداوة بين ذرية آدم، وخلق من أبنائه المشتتين إنساناً واحداً جديداً صانعاً لهم سلاماً، ومصالحاً إياهم في جسده الواحد مع الله. وما هذا الجسدُ الواحدُ الذي تتمّ فيه وحدةُ البشرية بخلاص المسيح، إلاّ الكنيسة. وما هذا الإنسان الواحدُ الجديد، الذي يضمُّ جميعَ المخلصين إلا الكنيسة نفسها، قامة ملء المسيح.

إن الكنيسةَ، هي إذن جسدُ الوحدة، لأنـها المكان الذي تتجسّدُ فيه وتتحقّقُ الوحدةُ الجديدةُ بالمسيح يسوع. إن رسالتَها الخاصةَ في العالم هي أن ترشدَ إلى تلك الوحدةِ التامةِ وإلى السلامِ الحقيقي، بالخلاص من الخطيئة، عنصر التفرقة والشقاق.

***

أين نحن أيـها الأخوة من تلك الشركة المسيحية الهنيئة المباركة! أين نحن من وحدةِ الروح ولا أقول من وحدة الأموال والمقتنيات – ! أين شهادتُنا القويةُ لقيامة الربَ لا ببلاغة رنانة وبحكمة كلام، بل بحياة جديدة، حياة الوحدة والشركة بالحق والمحبة.

إن المسيحيين منفصلون اليوم بعضهم عن بعض وهم يبدون أمام العالم منقسمين كنائس مختلفة وشيع متباينة تتنازع سلطان النفوس، وتدّعي كلها أنـها مؤتمنة على حقيقة المسيح الكاملة والتعليم الرسولي القويم. إن مائدتـهم وأسرارَهم تفرّق بينهم ولا تجمع. إن صلواتـهم أيضاً لا ينضم بعضها إلى بعض بل ترتفع مجزَّأة أمام عرش الإله الواحد، والسيد الواحد للكنيسة. إن شهادتـَهم أمام العالم هي شهادة انقسام وانشقاق. ولذلك تبدو ضعيفة ركيكةً، هزيلةً في وجه تيارات العالم القوية العنيفة. ماذا أقول! إن كرازتـهم كثيراً ما تنحصر بالمجادلات والمماحكات حول خلافاتِـهم. ونشاطُهم كثيراً ما يَبذلونَه ضدّ إخوانـهم أبناء الكنائس الأخرى. ليسوا منقسمين فحسب، إنـهم في حالة صراع ونزاع دائم.

ألا فلنسمع الرسول ينادي: “هل انقسم المسيح! ألعلَّ بولس صُلب عنكم! أم بإسم بولسَ اعتمدتم! فإنه إذا كان فيكم حسد وخصام وانشقاق، ألستم جسديين وتسلكون بحسبِ البشر!” بالحقيقة إن المسيحيين لا يعرفون من أي روح هم. وإني أراهم أقرب إلى برج بابل حيث البلبلةُ والانقسام – منهم إلى العنصرة بالروح، حيث الوحدة الجامعةُ تُزيلُ الفروقات وحيث الفهمُ المتبادلُ يتغلب على اختلاف المشارب واللغات!

ماذا بعد! أعتقد أنه لم يبقَ أمامنا من شك في أن انقسام المسيحيين هو نتيجة خطيئتنا المستمرّة ضدّ الحقّ والمحبة وأن هذا الانقسام يضعُ أمامنا مشكلة بالغةَ الخطورة، إنـها مشكلةُ الانصياع لإرادة المسيح الكاملة، مشكلةُ حمل صليب التفرقة على طريق الجلجلة، بانتظار فجرِ القيامة البهيّ.

هناك بين المسيحيين من يدركُ مدى كارثةِ الانشقاق إدراكاً تاماً، ومع ذلك يخطئ فهم مشكلة الوحدة. إن استعراضَ آراء هؤلاء من شأنه أن يساعدنا على ما أعتقد، على تفهّم المشكلة الحقيقية العميقة.

  1. فهناك أولاً – وخصوصاً – في بلادنا – النظرة الطائفيةُ الى الانشقاق، تلك التي لا تفهم من المشكلةِ سوى مظاهرها السياسية المحلية ولا تفكر بحلّها إلاّ لإيجاد كتلَة مسيحيةٍ متّحدةٍ تجابه باقي الطوائف وتحافظ على حقوق أعضائـها السياسية والدنيوية والاجتماعية.

ولكن من لا يرى أن طرحَ القضيةِ على هذا الوجه يبقيها على حالها، لأن الوحدة المسيحية – وهي وحدة المسيح بالذات – هي وحدةٌ إيجابية لا سلبية لا تقوم ضد أحد، بل لبناء الجميع، ولأن ليس للمسيحيين في هذا العالم من حقوق، إلا حقُّ القيام برسالة المصلوب.

  1. وهناك نظريةٌ ثانية لا تدرك أعماق قضية الوحدة. إن هناك من يرى أن خلافاتِ المسيحيين إنما هي في الأصل والجوهر خلافات نفسانية (سايكولوجية) وتاريخية وسياسية وفي بعض الأحيان خلافات في تعبير العقيدة المشتركة لا في جوهر هذه العقيدة. ولذلك فحلّ قضية الوحدة في نظرهم يكون في إعادة مجرى المحبة بين المسيحيين فحسب. إلاّ أن الواقع هو غير ذلك. فإذا ما طرحنا جانباً – كما تفرض ذلك المحبة المسيحية – ما أورثته الأجيال من أحقاد خفيّة وعصبيات مكبوتة، وإذا ما توصّلنا من وراء العادات المختلفة في التعبير والتفكير الى تفهّم جوهر معتقداتنا المختلفة لَرَأَيْنا أن الصعوبات الحقيقية ما زالت موجودة في الحقل اللاهوتي والديني، في حقل الحقيقة المسيحية نفسها. فمشكلة الوحدة ليست مشكلةَ تعبيرٍ أدق، أو محبةٍ تشمل الجميع، أو اعترافٍ صادقٍ بخطايانا في التاريخ فحسب، إنـها في الوقت نفسه قضية بلوغ وحدةِ الإيمان والعقيدة.
  2. وهناك نظرة ثالثة في الوحدة، لا تلاحظ سائر عناصر المشكلة. وهي نظرة الذين يشعرون بصعوبة حلّ الخلافات العقائدية وبتعقيدها، فييأسون من الوصول الى حلّ لها ويرون أن تحتفظ كلُّ كنيسةٍ بمعتقداتـها على أن تتعاون مع الكنائس الأخرى في العمل المسيحي الاجتماعي والخيري لبناء إنسانية أفضل. إن هؤلاء يشبهون لعمري مَن يريد مداواة مظاهر الداء دونَ الداءِ نفسه. لأننا نعلم جيداً أن مواقف المسيحيين في المشاكل الاجتماعية تختلف باختلاف نظرياتـهم في ماهية الكنيسة وتنظيمها وعلاقاتـها مع العالم. أي أنـها تتوقف في النهاية على التحديدات العقائدية واللاهوتية التي يتجنبُ أصحاب هذه النظريةِ حلّها.
  3. وهناك أيضاً بين المسيحيين من يرى بقاء الكنائسِ متعددةً مستقلة في عقائدها وعملها، ويرى بالتالي أن قضية الوحدة هي قضيةٌ خاطئةٌ غير واجبةِ الوجود، لأن التفرقة ليست نتيجة لخطيئة المسيحيين بل لتنوّع الأعضاء والنِعَم في جسد المسيح الواحد غير المنظور. فهؤلاء يعتقدون أن التماسَ الوحدةِ إنما هو نتيجة لضعف الكنائس وعدم قدرة كل واحدة منها على حمل رسالتها الخاصة. فمن الواجب إذاً في رأي هؤلاء أن تكتفي كل كنيسة بتجديد قواها الروحية، بالاستقلال عن الآخرين وأن تُبرِزَ عاداتـِها الخاصةَ في العبادة والتفكير والحياة، لأن في ذلك استعلانَ حكمةِ الله المتنوعة.
  4. وهناك نظرة أخرى خاطئة في الوحدة المسيحية، يمكن تسميتها بالجدلية والتبشيرية. إنـها إذ تؤمن بضرر التفرقة، لا تقدر على تحمّل صليب التفرفة إلى يوم قيامة الوحدة بنعمة الله. فتتسرع في عملٍ كثيراً ما يكون مغايراً لروح المحبة المسيحية واحترام الضمائر الفتية في الإيمان، أعني به اكتساب أعضاء الكنائس الأخرى فرداً فرداً وجماعات جماعات، إلى حظيرتـها. إلا أن المسيحيين جميعاً قد بلغوا اليوم درجةً من الفهم الروحي يستنكرون معها طريقة التبشير والجدل هذه، لاعتقادهم أن مشكلة الوحدة المسيحية تُطرح بين كنائس لا بين أفراد؛ وأنه لا يفيد شيئاً إذا ربحت كل كنيسة بضع مئات وألوف من أبناء الكنائس الأخرى، طالما أن بقاء مسيحي واحد في هذه الكنائس يبقي مشكلة الوحدة على حالها بالنسبة إلى هذا المسيحي. ولذلك أدرك المسيحيون أخيراً أن مشكلة الوحدة ليست مشكلة عدد يتضخّم ويزداد، بل هي مشكلة حقيقةٍ تُلتمس بإيمان وتُعطى بالمحبة والدرس والصلاة.

أيـها السادة،

إلى هذا الحد بلغ بنا بحثنا في مشكلة وحدة الكنائس. لقد تجمّعت لدينا عناصر هذه القضية عند استعراضنا لمختلف الطرق الخاطئة أو الناقصة التي طُرحت بـها أحياناً كثيرة.

وقد تبين لنا أن سبباً عملياً هاماً مُلِحّاً يدعونا إلى طرح هذه القضية، ألا وهو مواجهة المسيحيةِ للفوضى العالمية برسالةِ المسيح المخلص، وسبباً لاهوتياً هاماً أيضاً وهو الانصياع لإرادة المسيح في أن يجمع الكل إليه، وفي أن يكون المؤمنون واحداً كما هو والآب واحد.

وتبين لنا من جهة ثانية، أن هذه الوحدةَ التي يفرضها علينا ولاؤنا للمسيح، لا يمكن في حالة المسيحية الحاضرة، أن نبلغ إليها لأن الصعوباتِ التي تحول دون إتمامها لا تنحصر في التنافر والتباعد بين القلوب، ولا في انفراد كل كنيسة بعملها الروحي والإنساني، ولا في العادات الخاصّة بالتفكير والتعبيرات لكل فرقة بل تتعدّاها إلى جوهر الحقيقة المسيحية التي تؤمن بـها هذه الفرقة، والتي تعتبر أن التنازل عنها يشكّل خيانة لتعاليم المسيح ولكنيسة المسيح.

هنا وهنا فقط تبرز مشكلة الوحدةِ المسيحية، كمشكلة مؤلمة شائكة، لا بل كمأزق حقيقي لا تُرى كيفية الخروج منه. فولاؤنا للمسيح هو الذي يفرض علينا الخروجَ من الانشقاق الى الوحدة. وولاؤنا للمسيح – لتدبيره وتعاليمه – يفرض علينا التمسك بأسباب الخلاف الجوهرية فيما بيننا، وبالتالي يفرض علينا القبولَ بحالةِ الانشقاق والتفرفة.

قلت أنـها مشكلة مؤلمة. وأي ألم يحزُّ في نفس المسيحي أكثرَ من أن يرى نفسه أمام متناقضات كهذه يمليها عليه إيمانُه فلا يقوى على حلّها! وأي حزنٍ أعمق من أن ينشُدَ المسيحي الوحدة بكل جوارحه، فيرى طريق أن الوحدة محظورة عليه.

ولكن المسيحي المؤمن إذ يتألم كثيراً من هذا الوضع المرير، يعلم أن الطريق الـمُغلَقة لا تعني نـهايةَ الشوط الأخير. ولعلّ الفشل الإنساني قد يكون طريقاً نحو النصر والغلبة. فالصليب والجلجلة ظهرا من الوجهة الإنسانية فشلاً ذريعاً خُتمت بـها طريق الرب على هذه الأرض. إنما كانا بالحقيقة للمؤمنين ينبوعاً للخلاص، ومصدراً للقيامة المجيدة.

ولذلك قلتُ لكم أن مشكلة الوحدة المسيحية هي مشكلة حمل صليب التفرقة إلى الجلجلة حيث ننتظر فجر الوحدة والغلبة. قد يكون الصليب ثقيلاً وتكون الطريق بعيدة وشائكة ولكن لا بدَّ من سلوكها حتى النهاية بطاعة ومحبة وتضحية، وبإيمان وطيد عميق ورجاء لا يفتر بأن إرادة الله ستُحَقَّق رغم سقطات البشر وأن ما هو غير مستطاع عند الناس هو مستطاع عند الله وأن نعمته المجانية ستفعل فينا أكثر مما نطلب وننتظر إن كنا لمشيئته مستسلمين.

الحقيقة أن مشكلة الوحدة إن هي إلاّ مشكلة انقياد لا تحفّظ فيه لمشيئة الله في الحق وفي المحبة، وولاء شامل للرب يسوع في صليبه وفي انتصاره.

فإنه إذا ما حملنا صليب اشقاقاتنا لنتبع الرب في طريق المحبة التي تبذل ذاتـها حتى الموت، إذا ما كان لنا شركة في سبيل الوحدة المسيحية، بآلام الرب وموته، إذا ما عَلَّقنا على صليبنا، الذي هو صليبه أيضاً، أنانيتنا وكبريائنا وآراءنا الخاصة وتقاليدنا الجزئية وعاداتنا المتأصلة، إذا ما طلبنا بحرارة ومرارة أن يقود الرب بنفسه عقولنا وقلوبنا إلى حيث يريد، إلى حيث لا ندري، وقبلنا بقيادته هذه حتى النهاية، متواضعين كالحبة التي تموت تحت الأرض. عندئذٍ وعندئذٍ فقط، وبطريقة سرّيّة لا يعلمها أحد إلاّ الله، سنرى متعجّبين أن الرب تعدَّى برحمته خلافاتنا العقائدية الأخيرة، وجمعنا في جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل، لتكون لنا فيه شركة مع الآب والروح في وحدة حياة لا تنفصم عراها مدى الدهور.

مجلة النور شباط 1951، ص 29-36

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share