“اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِرًا”

الأخ عبدلله بطش Wednesday March 20, 2024 325
“اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِرًا” (١تيموثاوس ٥: ٢٢)
خاص لموقع الحركة بقلم الأخ عبدلله بطش
يعود بيَ الزّمن إلى حديثٍ جرى بيني وبين أحد كهنة رعيّتي، بطلبٍ منّي، لأستشيره بمسألة علاقة حبٍّ عاشها شابٌ من أبناء الرّعيّة مع فتاةٍ من أترابه، أتى بها إليّ بُغية تقديم المساعدة. فبعد إصغائي لهذا الشابّ ولتفاصيل قصّته، وَجَدتُ نفسي مُلزَمًا بمساعدته، بدافع من محبّتي له، وبما أنّني غير قادر على إتمام هذه المَهمّة، لجأتُ إلى الكاهن ووضعتها بين يديْه.
للموضوع جوانب نفسيّة دقيقة، فقد اتّضح لي من خلال هذا الحوار أنّ مُرتكز هذه العلاقة قائمٌ على مشاعر وهميّة لم يُدرِكها الشّاب حينها، فإذا بها تقوده إلى القيام بأفعالٍ غير لائقة، تخطّى بها الحواجز الأخلاقيّة من ناحية الآداء والتّصرّف، تعبيرًا عن حبّه لها كما قال، وهذا ما وضعه في حالة ندمٍ وخوفٍ شديدَيْن نتيجةً لذلك الأمر.
في الحقيقة، إنّ هذه الخبرة كشفت لي عدّة إشكاليّات تنخُر في مجتمعاتنا هذه الايّام، وتفرض علينا تحدّيات جمّة. من أخطرها: لغة التّعبير الخاطئة المُتبنّاة من قبل الشّباب عن الحبّ…
فممّا لا شكّ فيه أنّ الحبّ هو من أسمى أنواع المشاعر الّتي تُفرِح الإنسان وتُجدّده، وهو لا يتحقّق إلّا بالمشاركة. وفي الحبّ أيضًا تعهّد والتزام، وهذا ما يتطلّب المحافظة على الشّريك وعلى كيانه.
أمّا الحواس، فهي تلعب دورًا أساسيًّا في هذا السّياق، لوْلاها لكان الإنسان أشبه بصندوقٍ مُغلق منعزل عن كلّ ما هو محيط به. هي نافذةٌ يطلّ من خلالها على العالم الخارجيّ، بها يتعرّف على كلّ شيء وعبرها يتفاعل. كما أنّها بالتّأكيد مهمّة في دعم عمليّة التّواصل مع الآخر وإدراك حيْثيّات الأمور واتّخاذ القرارات المناسبة، بكوْنها هي الّتي تُحرّك الإنسان وتوجّهه نحو مسار معيّن. فإذا فقدَ السّيطرة عليها وقع في التّجارب، وإذا أحسن التّحكّم بها احتمى. لذلك، إنّ التسلّح بالإيمان الحقّ، والسعي للعيش في معيّة الله ورضاه، هما بمثابة المعيار الّذي يحمي الإنسان ويساعده في التغلّب على شهواته.
إنّ الحبّ يتجلّى ويكتمل بالاتّحاد، وهذا يصير فقط بالبركة الإلهيّة، أي بسرّ الزّواج. وهذا الاتّحاد لا يتمّ إنْ لم يتّحد الحبيبان بالرّبّ، فيه فقط يصير الاتّحاد وبدونه أي محاولة للاتّحاد محاولة مبتورةٌ لأنّ أساسها مُغيّب.
من هنا، يكمن دور الأهل في تربية الأجيال الصّاعدة وتنشئتها ومرافقتها لمحاربة ثقافة الحبّ السّائدة والمُهيْمِنة على عقولها، وهي بعيدةٌ جدًّا عن مبادئنا وتعاليمنا الكنسيّة. إنّها ثقافة تُدمّر المجتمع، تُفكّك الأُسَر وتُعارض المقدّسات.
إنّ كنيستنا، عروس الله البهيّة، رتّبت لنا لكلّ مناسبةً مقدّسة صلاة. ففي الصّلاة المخصّصة لحلّ الإكليل في اليوم الثّامن التي تُعرف ب “رفع الأكاليل”، تُتلى العبارة التّالية: “لأنّهما اقترنا بالزّواج المشترع منك، وهما طاهران”. الطّهارة هي أساس الحبّ، والحبّ المبنيّ على العفّة والنّقاوة هو الحبّ الحقيقيّ الذّي يهتمّ بجوهر الآخر وكيانه ككلّ.
عندما اقتربت من نهاية حديثي مع الأب الكاهن، تطرّقنا معًا إلى أهميّة الفرقة الحركيّة ودورها في حياتنا الشخصيّة كأعضاء وكجماعة مع إخوتنا، إذ إنّها كانت ولا تزال منطقة الأمان التي فيها نتشارك هواجسنا وتساؤلاتنا الشّبابيّة، ونعزّز أفكارنا القويمة ومبادئنا لنثبُت على صخرة الإيمان. أنهى الأبّ الحوار بعبارة لا تزال راسخة في ذهني: “إنّ ميزة الشّباب في الحركة هي العفّة”.
الأخ عبدلله بطش
من فرع الميناء – مركز طرابلس. يعمل ضمن فريق الخدمة الاجتماعيّة.
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share