في التاسعة والعشرين من شهر تشرين الأوّل سنة 1829، وُلد ابنٌ للسيّد “سركييف”، قندلفت كنيسة سوورا، (سوورا قرية صغيرة في مقاطعة أرخانجلسك في سوورا). وقد وُلد هذا الطفل الجديد ضعيفًا جدًّا حتّى أنّ والديه، خوفًا عليه من أن يموت، طلبا من الكاهن قبل طلوع الفجر أن يعمّده على الفور، وأسمياه يوحنّا. ولكنّ الطفل عاش و لم يمت إذا استجاب الله لصلوات أُمّه.
كان والدا يوحنّا فقيرَين جدًّا. كان عليه أن يتحمّل العوَز والحاجة، ولكنّه كان محاطًا بالعطف والعناية. كان والداه متديّنين جدًّا يتحلّيان بروحٍ عالية. فأعطى الأب ابنه من الغذاء الرّوحي ما تمكّن، وأمّن له كُتبًا صغيرة ككُتب سِيَر القدّيسين وقصص عن المسيح. و هكذا كبُر يوحنّا محاطًا بصلوات والدَيْه الورِعين.
في السادسة من عمره ابتدأ يتعلّم القراءة، فاشترى له والده كتاب الأبجديّة ولكنّه لم يفهم منه شيئًا. في المدرسة كانت حياته صعبة للغاية، فبالرّغم من كلّ جهوده، فإنّ يوحنّا المسكين لم يكن يفهم ما يلقّنونه إيّاه ليتقدّم ولو قليلًا. وكان يعلم أنّ والديه في عوزٍ شديد يصعب عليهما دفع أقساط المدرسة، الأمر الذي كان يقلقه جدًّا، نظرًا لعجزه عن تعزيَتهما بنجاحه. ولذا كان يصلّي إلى الله بحرارةٍ ملتمسًا العون الإلهيّ. وفي ذات ليلة، عندما كان الكلّ نيامًا، و لم يستطع هو أن ينام بسبب حزنه الشديد فهو لا يستطيع أن يتذكّر ما تعلّمه، و كانت قراءته رديئة ولم يحفظ شيئًا ممّا سمعه أو قرأه، استولى عليه غمٌّ كبير فوقع على ركبتيه وصلّى. و فجأةً شعر بأنّ كيانه كلّه ارتعش وانفتح ذهنُه وأصبحَ يتذكّر جليًّا ما قاله المعلّم في الدرس الأخير، وابتدأ يشعر بالنور والفرح. ومن ذلك الحين، أصبَحَ يوحنّا من الأوائل في صفّه، يحفظ ويفهم و يقرأ كلّ ما يتعلّمه في المدرسة. في السنوات الأخيرة لدراسته كان يفكّر كثيرًا في مستقبله وفي إحدى اللّيالي وبعد صلاة حارّة الى الله، رأى نفسه في الحلم كاهنًا يقوم بالخدمة الالهيّة. ولم يمضِ عليه وقت طويل حتّى أنهى دروسه اللّاهوتية في الأكاديميّة، وتزوّج ثمّ سيم كاهنًا في 12 كانون الأوّل 1855. وعُيّن كاهنًا لكاتدرائية القديس أندراوس في ميناء كرونشتادت. كان الأطفال أوّل مَن تعلّقوا به وأحبّوه إذ كان يلاطفهم وشعروا بحبّه وحنانه. وبسببهم أتى أهلهم إليه أيضًا، وما لبثت أقسى القلوب أن تقرّبت منه. كان القدّيس يوحنّا يَمضي معظم أوقاته في خدمة الفقراء والمحتاجين وزيارة الأكواخ، حتّى إنّه أسّس بيتًا للعمل من أجل المتوسّلين والعاطلين عن العمل ولم يعطِ وقتًا لنفسه للرّاحة. ومضت سنون عديدة وأصبح اسم القدّيس يوحنّا معروفًا حتّى في مناطق بعيدة جدًّا عن كرونشتادت. و كثيرًا ما كان يُدعى من مناطق أخرى من أجل شفاء النفوس والأجساد. في أيّامه الأخيرة، أخذت صحّته تضعف مع الوقت وطاقته تتضائل. في 20 من شهر كانون الأوّل انتقل بسكون إلى السماء. لقد كان في أيّامه الأخيرة يردّد كثيرًا ويقول: “إنّني أتوق لأرى السيّد الذي خلقني على صورته بعقلٍ مُدرِك وإرادةٍ حرّة ونفسٍ خالدة. فمتى أراه، ذلك الحبيب المشتهى”.
طروبارية القدّيس يوحنا كرونشتادت
لقد ذاعَ صيتُكَ مَعَ الرُّسُلِ إلى أقاصي المسكونة، وَمَعَ المُعترفينَ احتملتَ الآلامَ مِنْ أجلِ المسيح، فشابَهْتَ القدِّيسينَ الأبرارَ الكارِزينَ بالكلمة، وَمَعَ المُوَقَّرينَ أُنِرْتَ بالنِّعمةِ الإلهيَّة. لهذا كَشَفَ السيِّدُ عَنْ لُجَّةِ خُشُوعِكَ، رافِعًا إيَّاكَ أعلى مِنَ السَّماوات، وَمَنَحَنا اسمَكَ يَنْبُوعًا باهِرًا.