صدر عن تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع كتاب للأب ميخائيل (وليد) الدبس بعنوان «المؤمن وشؤون الأرض» يطرح فيه الكاتب، عبر مقالات كتبها خلال حقبات زمنيّة مختلفة، نظرته كمؤمن وراعي ومربّي إلى مسألة التزام المؤمن عمومًا والمسيحيّ خصوصًا القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة التي تواجهه في حياته على هذه الأرض. وذلك انطلاقًا من خبرةٍ رعائيّة عاشها الكاتب خلال ما يُقارب أربعة عقود من الخدمة الرعائيّة والاجتماعيّة والتربويّة.
ثلاث مقاطع مقتطفة من الكتاب تزيّن الغلاف الخلفي:
– قدرُنا في بلدي أن نبقى ضمن دائرة التوتّر بين الطائفة والكنيسة. ليس صحيحًا أنّهما يتكاملان. الطائفة تشوّه الكنيسة ولا تكملها. خيارنا الكنيسة. الطائفة عارض مرضيّ ولا يمكننا أن نستمرّ في التعايش معه ونبقى على استقامة رأي كاملة. (من مقال«الكنيسة والطائفة»).
– نحن لا نطلب أن تتحوّل الكنيسةُ إلى دولة مشرّعةٍ، بل من حقّ العالم عليها أن تكون باكورة مجتمع يشحُّ فيه الفقرُ ليكونَ ومضةً قياميّةً في عتمةِ سقطاتِ هذا الدهر. أوليسَ من العجب أن يكون رجالُ الكنيسة من طبقةِ الأغنياءِ وهم، أصلاً أيقوناتٌ للمسيح. (من مقال «الفقر»).
– لا نستطيع أن نتصوّر مسيحيًّا لا يعرف النسك. لا يكون مجاهدًا ليتحرّر من عطايا الله حتّى لا تسود عليه وقادرًا على أن يتخلّى عنها حبًّا للحقّ الذي يحرّره. (من مقال «حريّة أبناء الله»).
وقد قدّم الكتاب الأستاذ غسّان الحاج عبيد. وممّا جاء في المقدّمة:
“المؤمن وشؤون الأرض”، عنوانٌ يطرح، بصيغته، إِشكاليّةً، والإشكاليّة هي: ما علاقة المؤمن (المسيحيّ طبعًا) بشؤون الأرض؟ هل تَعنيه، أم هو غيرُ مَعنيٍّ بها؟ وهذا السؤال يطرح، بدوره، إشكاليّةً أساسيّة هي إشكاليّة ارتباطِ المسيحيّ بأرضه، وانطلاقًا منها، بقضايا الإنسان كافّةً، والتزامه إيّاها.
تاريخيًّا، وفي المدى القريب، تعود هذه الإشكاليّة – أَقلُّه في أوساط الشبيبة الأنطاكيّة – إلى منتصف ستّينيّاتِ القرن الماضي. ففي تلك الحقبة استَعلَنَتِ القضيّة الفلسطينيّة – التي أفرزَتها نكبة عام 1948 – وبرزت على الساحة العربيّة بوَصفها قضيّةَ العرب المركزيّة… وفي هذا السياق التاريخيّ، الدقيق بمعاييره كلّها وخلفيّاته كلّها، برز إلى العَلَن ما كان كامنًا وتحرك في بَواطِن الفكر ما كان ساكنًا؛ فبدأنا نسمع، في أوساطنا الكنسيّة، أصواتًا تُطالب بموقف مسيحيّ، واضحٍ وجريء، من القضيّة الفلسطينيّة…
على هذه الخلفيّة برزت، في أوساطنا، إِشكاليّة العلاقة بين المؤمن وشؤون الأرض. أمّا أن يكون المؤمن المسيحيّ مَعنيًّا بشؤون الأرض (التي هي، بالنهاية، شؤون الإنسان وقضاياه) فهذه ليست وُجهةَ نظر، ولا يجوز أن تكون مسألةً فيها نظر. مسيحيًّا ينبغي لهذه الإشكاليّة أن تكون من المُسَلَّمات. فبتجسّد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح تمّت المصالحة الأبديّة بين السماء والأرض، فرُدِمَت بينهما الهوّة السحيقة التي أَحدثَتها خطيئة الجدَّين الأوّلَين…