نورٌ في قلب العاصفة” مستوحى من مقال كوستي بندلي بعنوان: “كيف يتفق وجود المصائب مع قدرة الله وصلاحه؟”

الأخ همام الياس الأصيل Monday November 24, 2025 349

مساهمةهمام الياس الأصيل في مسابقة «أقرب الى فكر كوستي بندلي».

مشاركتنا اليوم مع الأخ همام الياس الأصيل من حمص، سوريا.

نشكر الأخ همام الذي قدّم نصًّا إبداعيًّا بعنوان: “نورٌ في قلب العاصفة

مستوحى من مقال كوستي بندلي بعنوان: “كيف يتفق وجود المصائب مع قدرة الله وصلاحه؟”، وندعوكم للاطلاع على المساهمة الكاملة أدناه

تابعونا يوميًا لاكتشاف بقية المساهمات التي سننشرها تباعًا.

 

كيف يتفق وجود المصائب مع قدرة الله وصلاحه؟

تشكّل المصائب والتجارب جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، ولا يستثنى من ذلك المؤمن المسيحي. فالإيمان بالمسيح لا يعني غياب الألم أو الضيق، بل يمنح الإنسان نظرة جديدة للمحنة، إذ يرى فيها فرصة للنمو الروحي والاتحاد الأعمق بالله. فالمسيحية تعلّم أن الله لا يسمح بالألم عبثاً، بل يستخدمه كأداة للتنقية والتقوية، كما قال الكتاب المقدس:
“لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ.” (عب 12: 6) ومن خلال الصليب يتعلّم المؤمن أن طريق المجد يمرّ عبر الألم، وأن الرجاء الحقيقي لا يقوم على خلوّ الحياة من المصاعب، بل على الثقة بأن الله يحوّل حتى الشرّ إلى خير لمن يحبونه.
والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان الجميع مع الكثير من التعجب والاستفهام:
كيف يسمح الله وهو قادروصالح بوجود الشر والمصائب؟!!
إذا كان الله قادرًا على كل شيء، فهو قادر أن يمنع الشروإذا كان صالحًا تمامًا، فهو يريد أن يمنع الشرومع ذلك، الشر موجود.
إذاً إمّا أن الله ليس قادراً أو ليس صالحاً.
المغبوطأوغسطينوس (354–430م) يقول:
“الشرّ ليس كيانًا بل نقص في الخير”
“الشر ليس شيئًا مخلوقًا، بل هو غياب الخير.”مثلما أن الظلام هو غياب النور، وليس مادة مستقلة.”
الله خلق العالم كله خيّراً، ولكن عندما تبتعد المخلوقات الحرة عن الخير (عن الله)، يظهر “الشر” كنتيجة لهذا الابتعاد.
إذاً الشر لا يتعارض مع قدرة الله، لأن الله لم يخلقه، بل سمح بوجود إمكانية لابتعاد الخير كي يكون للإنسان حرية حقيقية.
ويقول القديس يوحنا الدمشقي (+750) أن الله خلق كل شيء حسنا جداً: “إن الشر هو فقدان الخير ويجعل ما هو بمقتضى الطبيعة إلى ما هو ضدّ الطبيعة”.
معنى هذا أن الله خلق الانسان بطبيعة صالحة تعمل الخير، وإذا صنع الإنسان الشر، فهذا يكون ضدّ الطبيعة الحقيقية للإنسان. إذاً الشرير، هو إنسان شاذّ غير طبيعي، لأنه يسلك بخلاف طبيعته.
ويؤكد القديس في كتابه إن الله لا يريد الشر لكنه يسمح به، احتراماً منه لحرية الانسان. فيقول القديس الدمشقي: “إن الأمور التي هي في استطاعتنا، بعضها صالح ويشاؤه الله عن تصميم ورضى، وبعضها طالح وشرّ في الحقيقة ولا يشاؤه الله لا سابقاً ولا لاحقاً، إنما يتركه لحريتنا”.
ولا يجوز نسبة مسؤولية أعمال الانسان إلى قوة خارجة عن إرادته، فالإنسان ليس آلة مبرمجة مسبقاً، وغير صحيح أن لا حَوْلَ له ولا قوة على مجابهة الخيارات التي تنشأ أمامه. ويؤكد القديس نفسه “أنه لا يجوز تسجيل الأعمال القبيحة والظالمة على الله، ولا على القضاء، ولا على القدر، ولا على الطبيعة، ولا على الحظّ، ولا على الفطرة”، ويختم هذه الفكرة بقوله: “وعليه بقي أن الانسان، إذا عمل أو صنع، فهو مبدأ أعماله الخاصة، وهو حر”.
إذاً، كل انسان مسؤول عن أعماله، أكانت صالحة أم شريرة.
وهنا لا بدّ أن يتبادر إلى ذهننا كتاب (هناك حيث يختفي الله) للمتروبوليت نيقولاوس الكتاب مليء بأسئلة محلة وبشكوك قوية تشغل وتخيّر, وأحياناً كثيرة تعثُر النفس البشرية. إلا أنه لا يقدم جواباً مباشراً, ولايحاول أن يُقنع القارئ بطريقة عقلانية أو بحجج مقنعة, ذلك لأن هدفه ليس التأكيد على أن الله موجود في بعض المرات والأوقات فقط, بل يهدف إلى إثبات أن وجود الله الحقيقي هو عندما يكون غير مرئي في لحظات الألم أو في فظاعة هذه الحياة. وفي حوادث الموت المفجع, كما يسرد حوادث واقعيّة لها تأثيرها على حياة الناس.
الإيمان الأصيل, البريء والطاهر بألوهة المسيح يكشف عن الله… هناك حيث يختفي وحيث لا يمكن مشاهدته.
يتبادر إلى ذهني دوماً لحظة الموت وفاجعته ولكنني أقارن دوماً مابين قبل صلاة الجناز وما بعده من حيث وجود التعزية الإلهية كيف تتحول هذه الفاجعة والمصيبة إلى تعزية كبيرة.
وهنا لا بدّ أن نعرف أنّ :
1. الإيمان المسيحي يؤكد أن الله
• كامل الصلاح: “الله محبة” (1 يوحنا 4:8).
• كامل القدرة: “لأن الله على كل شيء قدير” (متى 19:26).
إذاً لا يمكن أن يكون مصدر الشر من طبيعته، لأن كل ما يفعله صادر عن محبته وخيره.

2. أصل الشر ليس من الله بل من حرية المخلوق
• الله خلق الإنسان والملائكة أحراراً، لهم القدرة على الاختيار بين الخير والشر.
• عندما أساء الإنسان استخدام حريته – كما في سقوط آدم وحواء – دخل الشر والمعاناة إلى العالم.
الشر إذًا ليس مخلوقًا بحد ذاته، بل هو نقص الخير أو ابتعاد عن إرادة الله.

3. المصائب نتيجة عالم ساقط (متأثر بالخطيئة)
بعد السقوط، أصبح العالم كله يعاني من الفساد والموت (رومية 8:22).
فالكوارث والمرض والألم هي نتائج سقوط الخليقة، وليست إرادة الله الأصلية.
ومع ذلك، الله يستخدمها الآن ضمن خطته لفداء الإنسان.

4. الله لا يترك الألم بلا معنى
في المسيحية، الله نفسه دخل في عالم الألم في شخص يسوع المسيح، وتألم ومات على الصليب.
أي أن الله لم يبقَ بعيدًا عن معاناة البشر، بل شاركهم الألم ليمنحهم الخلاص.
هذا الحدث يُظهر أن الألم يمكن أن يكون طريقًا للحب والفداء، وليس عبثًا.

5. الله يحوّل الشر إلى خير
الله قد يسمح بالشر لكنه لا يريده، ويقدر أن يحوّله لخير أعظم.
كما قال بولس الرسول:
“ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله” (رومية 8:28).
مثلاً: من ألم الصليب جاء الخلاص، ومن الضيق يولد الإيمان والصبر.

6. الرجاء في الحياة الأبدية
الإيمان المسيحي يرى أن العدالة والراحة الكاملة لن تتحقق بالكامل في هذه الحياة،
بل في الملكوت الأبدي، حيث “يمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد” (رؤيا 21:4).
فالمسيحي يعيش بالأمل أن الله سيعيد كل شيء إلى صلاحه الأصلي.
والشعور بوجود الله في لحظات المصائب والألم هو من أعظم التحديات الإيمانية، لكنه في الوقت نفسه من أعظم المواطن التي يجد فيها المؤمن عزاءه وقوته. هذا الشعور لا يأتي دائماً بشكل تلقائي، بل هو ثمرة لنظرة إيمانية وقلب يتأمل.
الهدف النهائي للحياة المسيحية الأرثوذكسية هو “التأله” أي الاتحاد بالله والمشاركة في طبيعته الإلهية. المصائب هي إحدى الأدوات التي يستخدمها الله من أجل:
• تليين القلب القاسي: فالمعاناة تكسر غرورنا واعتمادنا على الذات وتذكرنا بأننا محدودون وضعفاء.
• تحويل الألم إلى أداة خلاص: بدلاً من أن يكون الأدمة عقيمة، يمكن أن تصبح
“ألماً مُخَلِّصاً” عندما نقدمها لله بنية التوبة أو من أجل الآخرين، مشاركةً في آلام المسيح من أجل جسده، أي الكنيسة.
وعلينا أن لا ننسى دور الروح القدس “المعزي”
يُدعى الروح القدس في الإيمان الأرثوذكسي “المعزي” هذا الاسم يعني المحامي، الشفيع، المُعين، المُريح. في لحظات الضيق، لا يترك الله المؤمن وحيداً، بل يرسل روحه ليكون معه.
فالشعور بوجود الله في المصيبة هو غالباً شعور بالعزاء والسلام الداخلي الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن الروح القدس، حتى في خضمّ العاصفة. هذا السلام “الذي يفوق كل عقل” (فيلبي 4: 7) هو علامة واضحة على حضوره.
في المسيحية الأرثوذكسية، لا يتم شرح الشر أو إنكاره، بل يُنتَصَر عليه. الله لا يعطينا إجابة فلسفية عن سبب المعاناة، بل يعطينا نفسه في قلب المعاناة.
المؤمن الأرثوذكسي لا يسأل “لماذا هذه المصيبة؟” بقدر ما يسأل “من هو معي في هذه المصيبة؟”. والإجابة هي دائماً: المسيح المُقام، الذي يحمل جراحاته الممجدة إلى الأبد كدليل على محبته التي تغلب الموت والشر.
الشعور بوجود الله في المصائب ليس إنكاراً للألم أو تظاهراً بعدم وجوده. الألم حقيقي والمشاعر مؤلمة، لكن الإيمان يضع هذا الألم في إطار أوسع وأعمق، إطار من الحكمة والمحبة والرحمة. هو مثل الطفل الذي يبكي عند تطعيمه، ولا يفهم مايفعله الطبيب، لكن الأب الحنون يعلم أن هذا الألم المؤقت هو لحماية ابنه من أمراض أشد والشعور بوجود الله في لحظات المصائب والألم هو من أعظم التحديات الإيمانية، لكنه في الوقت نفسه من أعظم المواطن التي يجد فيها المؤمن عزاءه وقوته. هذا الشعور لا يأتي دائماً بشكل تلقائي، بل هو ثمرة لنظرة إيمانية وقلب يتأمل.
في الختام، يمكننا القول إن الشعور بوجود الله في المصائب ليس هروباً من الواقع، ولا إنكاراً للألم، بل هو نظرة إيمانية أعمق تخترق حجب المعاناة لترى يد الحكمة الإلهية تعمل في صمت.
فالمصيبة ليست النهاية، وليست دليلاً على غياب الله، بل هي دعوة للارتقاء صعود من ظلمة التساؤل لماذا؟” إلى نور اليقين “مع من؟
نحن لا نفهم كل شيء الآن، لكننا نثق بأن الله يسيطر على كل شيء، وأن النهاية ستكون مجيدة.
كما قال الرسول بولس:
“لأن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا” (رومية 8:18).
فهنيئاً لمن يجد الله في مصيبته، فإنه قد وجد الكنز الذي لا يفنى، والنور الذي لا يخبو، والراحة التي لا تنقطع.

المراجع:
• من وحي كوستي بندلي.
• الخير والشر
بواسطة رعيتي، نشرة مطرانية جبل لبنان / الخلق, الخير, الشر, الله, الله الخالق.
• القديس يوحنا الدمشقي “المائة مقالة في الإيمان الارثوذكسي”،

لتنزيل النص :الله ومصائب الدهر . همام الأصيل

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share