القدّيس البار ثيوفانيس الحبيس (+1894م)

mjoa Saturday January 6, 2024 189

all_saintsأعلنت الكنيسة الرّوسية قداسته سنة ۱٩٨٨م بمناسبة العيد الألفيّ لمعموديّة الشعب الروسيّ. يُعتبَر، عن حقّ، من أبرز صنّاع النهضة الرّوحية في الكنيسة الرّوسية قبل الثورة البولشفية (۱٩۱٧). ويعتبره البعض أبرز من كَتَب في “الرّوحانية الأرثوذكسية”، لا في القرن التاسع عشر وحسب، بل عبر التاريخ الروسي برمّته.
اسمه في العالم كان جورج غوفوروف، وُلد في ۱٠ كانون الثاني ۱٨۱٥ في قرية شرنافسك في مقاطعة الأورال في روسيا الوسطى. كان والده باسيليوس كاهنًا تقيًّا موهوبًا، وكانت أمّه محبّة لله، ممتلئة لطفًا ورأفة. طفولة البارّ كانت سعيدة. أُرسِل في الثامنة من عمره إلى المدرسة الإكليركيّة ثمّ إلى المعهد الإكليركيّ في الأورال. كان واقعيًّا أن يُصار إلى إعداده كاهنًا، في خطّ والده، تبعًا للعادة المتَّبعة يومذاك. تميّز، منذ حداثته، بهدوء الطبع والميل إلى الصمت، كما أحبّ الصلاة والعزلة. وقد أبدى، إلى ذلك، مقدرة عقلية فذّة. انتقل، بعدما أتمّ دراسته في المعهد الإكليركيّ، إلى الأكاديمية الكنسيّة في كييف حيث درس أربع سنوات ولمَع. تردّد، أثناء إقامته في كييف، على دير الكهوف الذي هو مَهد الرّهبنة الروسيّة، فنما في قلبه مَيل الى الرّهبنة. من الذين أثّروا فيه، في تلك الفترة من حياته، شيخ روحاني اسمه برثانيوس. قبِل النذور وهو في سِنّ السادسة والعشرين. قال له الأب برثانيوس يومذاك: “أنتم، رهط الرّهبان المتعلّمين، لكم علم جزيل، ولكن تذكّروا أنّ أهمّ عمل يمكن لكم أن تؤدّوه هو الصلاة. فصلّوا إلى الله بلا انقطاع في وَحدة ذهن وقلب. هذا ما عليكم أن تضعوه نصب أعينكم.” تقلّب القديس ثيوفانيس في مناصب عدة، أستاذًا فمراقبًا للمعهد اللاهوتيّ في نوفغورود فعميدًا للمعهد اللاهوتيّ في أولونيتز. كان في تعليمه واضحًا ومثيرًا وكان يبعث الحميّة في تلاميذه.عام ۱٨٤٧، قرّرت الحكومة الروسية إيفاد بعثة كنسيّة إلى أورشليم القدس لتقصّي أحوال الأرثوذكسيّة في الشرق الأوسط وإنشاء إرساليّة  روسيّة دائمة في فلسطين . أحد أعضاء البعثة كان ثيوفانيس ورئيسها الأرشمندريت بورفيريوس أوسبنكسي. تحرّك أعضاء البعثة ما بين سوريا ومصر وسيناء وجبل آثوس. زارت المكتبات ودرست المخطوطات . عمِل ثيوفانيس، بصورة خاصة، في مكتبتَي دير القدّيس سابا في فلسطين ودير القدّيسة كاترينا في سيناء. كما زار الأديرة القبطيّة واحتكّ بالإكليروس الارثوذكسيّ واطّلع على أوضاعه ودرَس أحوال الإرساليّات الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة في الأرض المقدّسة. وقد تسنّى له خلال السنوات الثمانية التي أمضاها هناك، أن يتعلّم الفرنسيّة واليونانيّة والعربيّة والعبريّة. ثمّ عاد إلى روسية إثر اندلاع الحرب الكريميّة سنة ۱٨٥٥م. عام ۱٨٥٧م عُيّن ثيوفانيس عميدًا للأكاديميّة الكنسيّة في بطرسبرج وبقي في منصبه هناك سنتَين. عام ۱٨٥٩م اختير أسقفًا على كرسيّ تامبوف حيث أقام أربع سنوات، ثمّ انتقل إلى كرسي فلاديمير حيث أقام ثلاث سنوات. اهتمّ قدّيسنا، في هذه المرحلة من حياته، بصورة خاصّة، بتحسين نوعيّة الوعظ بين الكهنة واستحدث لذلك دروسًا خاصّة فيها. هو نفسه كان واعظًا من الطراز الأوّل. كما اهتمّ بتعليم الناس طريق الخلاص وكيفية الصلاة. إلى ذلك كان لشعبه أبًا بكلّ معنى الكلمة وكان بسيطًا في عيشه، لا يأكل غير مرّة واحدة في اليوم. معالم الرّهبنة كانت واضحة في طريقة تعاطيه مع الأمور. ورغم كونه إداريًّا قديرًا كان يأبى أن يلعب دور القاضي. حضور المحاكم الكنسية كان يوجعه جدًّا، لذلك تخلّى لأحد الكهنة عن هذا الدور. ميله إلى الوحدة والصلاة كان في ازدياد، لذا قرّر التخلّي عن الأسقفيّة وأن يصير راهبًا بصورة نهائيّة. وقد منَحه المجمَع المقدّس إذنًا بذلك. كان قد مضى عليه في الأسقفيّة سبع سنوات. عام ۱٨٦٦ جعله المجمع المقدّس رئيسًا لدير فيشا. هناك قضى قدّيسنا بقيّة سِني حياته الثمانية والعشرين. كان، أوّل الأمر، يشترك في صلوات الدير ويستقبل الزوّار ويقوم ببعض المهام المتعلّقة به كرئيس للدير. أقام على هذه الحال ستّ سنوات اعتزل بعدها وصار يلازم ركنه ولا يقابل أحدًا غير رئيس الدير وأب اعترافه والرّاهب الذي كان يقوم بخدمته. كان رُكنه عبارة عن غرفة نوم صغيرة وغرفة استقبال صغيرة وكنيسة صغيرة ومكتبة ومشغل. وكان الى جانب شغفه بالعمل الفكريّ والكتابي رسّام أيقونات جيّدًا وحفّارًا على الخشب. مذ ذاك أخذ يتمّم الخدم الإلهيّة، بما فيها القدّاس الإلهي، في محبسه. كان يقيم الذبيحة الإلهية، في البداية، كلّ أحد وعيد مهمّ، ثمّ أخذ يقيم الذبيحة كلّ يوم. لا نعرف عن حياته النسكيّة الكثير. لكنّنا نعرف أنّه كان يقضي أكثر أوقاته في الصلاة اللّيتورجيّة أوالصلاة الشخصيّة – صلاة يسوع – أو القراءة والكتابة. كان يتناول الشاي صباحًا ومساءً، ويأكل مرّة واحدة في اليوم. قوام وَجبته كان بيضتَين وكوبًا من الحليب وقطعة خبز. هذا خارج أوقات القطاعة والصوم. ألّف العديد العديد من الكتب. نقل الكثير من مؤلّفات آباء الكنيسة إلى اللّغة الروسية الحديثة، لا سيّما مجموعة الفيلوكاليا، واعتاد الردّ على حجم هائل من الرّسائل التي كان يتلقّاها من المؤمنين بمعدّل عشرين إلى أربعين رسالة كلّ يوم. ومع أنّه كان حبيسًا، كان معروفًا في كلّ أرجاء روسيا بفضل كتاباته ومراسلاته. ويبدو أنّ محاولة جرَت لاجتذابه إلى المتروبوليتيّة على كرسيّ كييف لكنّه لم يشأ قبولها. أضنى القدّيس ثيوفانيس التعب لصرامة نسكه وسنّه ومثابرته على الكتابة والتأليف. سنة ۱٨٨٨م فقَدَ بصَر إحدى عينَيه. ومع ذلك استمرّ في نظامه النسكيّ وشغفه بالكتابة من دون تغيير. رقد بسلام في الرب دونما مرض أو نزاع. حدث ذلك قبل أربعة أيام من بلوغه سِنّ الثمانين.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share