أبونا الجليل في القدّيسين مرقص أسقف أفسس (+1444م)

mjoa Friday January 19, 2024 386
markephesusلمَع نجم هذا القدّيس في وقت من أصعب الأوقات التي مرّت بالإمبراطوريّة البيزنطيّة. وضعها الاقتصاديّ كان شقيًّا والغزاة الأتراك على الأبواب. كان أمام الإمبراطور أحد خيارَين: إمّا السقوط في أيدي الأتراك وإمّا الاستسلام للّاتين. هؤلاء عرضوا المساعدة الماليّة والعسكرية في مقابل إعلان الوحدة بين الكنيسة الأرثوذكسيّة والكنيسة الكاثوليكيّة. هذا عنى، في ذلك الزمان، خضوع الأرثوذكسيّة للبابويّة.
وُلد مرقص في كنف عائلة تقيّة في القسطنطينية حوالي العام 1392 م، درَس على خيرة المعلّمين وكان لامعًا. أضحى، منذ سِنّ مبكّرة، أستاذًا في المدرسة البطريركيّة. ترَك كلّ شيء، وهو في السادسة والعشرين وترهّب في دير صغير قريب من نيقوميذية. انتقل إلى دير باسم القدّيس جاورجيوس في القسطنطينيّة بعدما اشتدّت وطأة الأتراك على تلك الناحية. انصرف إلى حياة الصلاة وخدمة الإخوة ودراسة آباء الكنيسة. وضع عددًا من المؤلّفات العقائديّة في خط القدّيس غريغوريوس بالاماس. كتَب عن الصلاة، عِلمه وفضلُه لفتا الإمبراطور يوحنّا الثامن باليولوغوس إليه. كان الإمبراطور في صدد الإعداد لمجمَع كبير بشأن الوحدة مع الكنيسة اللّاتينية آملًا في الحصول على دعم البابا وأمراء أوروبا بالمقابل. جُعل مرقص أسقفًا على أفسس وضُمّ إلى الوفد البيزنطيّ ممّثلًا بطاركة أورشليم وأنطاكية والإسكندرية. كان في عداد الوفد البيزنطيّ الإمبراطور والبطريرك يوسف الثاني وخمسة وعشرون أسقفًا. أبحر الوفد إلى إيطاليا بهمّة وحماس. كان يؤمَل أن تتحقّق الوحدة المرتجاة بسرعة. وصل أعضاء الوفد إلى فرّاري. تبيّن، شيئًا فشيئًا، أنّهم أدنى إلى المساجين. ولم يسمح لهم بمغادرة المدينة.
افتتحت جلسات المجمَع، جدول الأعمال تضمّن البنود التالية: انبثاق الرّوح القدس، المَطهَر، الخبز الفطير والتكريس بكلمات التأسيس وحدها أو باستدعاء الرّوح القدس. أوّلية البابا. عولجت، بدءًا، المسائل الأقلّ تعقيدًا، طُرح موضوع المَطهر. تكلّم مرقص عن الفريق الأرثوذكسيّ. قال:”لا شكّ أنّه يمكن لنفوس الموتى أن تنتفع وحتّى للمُدانين أن يتنيّحوا نسبيًّا بفضل صلوات الكنيسة ورأفة الله التي لا حدّ لها. أمّا فكرة العقاب قبل الدينونة الأخيرة والتطهير بالنار المحسوسة، فغريبة تمامًا عن تراث الكنيسة”.
انتقل البحث، بعد أسابيع، إلى مسألة الفيليوكوي، أي انبثاق الروح القدس من الآب والابن. مرقص كان واضحًا وحازمًا. سبعة أشهر من المباحثات انقضت دون نتيجة، نقل البابا أفجانيوس الرّابع المجمع إلى فلورنسا. بيصاريون، أسقف نيقية، وإيسيدوروس أسقف كييف وسواهما كانوا مع الوحدة بأيّ ثمن. سعوا في الكواليس إلى إقناع الفريق الأرثوذكسيّ بأنّ اللّاتين ليسوا على خطأ فيما يختصّ بانبثاق الرّوح القدس. زعموا أنّ العقيدة هي إيّاها، لكنّ اللّاتين يعبّرون عنها بلغتهم وبطريقتهم الخاصة. اللّاتين ضغطوا. كان الأرثوذكس في وضع صعب للغاية، لا سيّما ومصير القسطنطينيّة والإمبراطوريّة البيزنطيّة في خطر والأتراك على الأبواب. الاستعداد لدى الأكثرين كان إلى التمييع والتساهل والتخفّي وراء كلاميّة تترك للجميع أن يفسّروا الأمور، كلًّا حسب هواه وعلى طريقته. المهمّ أن تتحقّق الوحدة ولو كلاميًّا. هذا كان الجوّ المسيطر، كلّ الأرثوذكس بدوا مستعدّين للتنازل والرضوخ للأمر الواقع تحت ستار الوحدة إلّا مرقص. ثبَتَ على موقفه ولم يتزحزح. لسان حاله كان: “لا مسايرة في مسائل الإيمان!” قرّر أن ينسحب ويتألّم بصمت. أخيرًا وقّع الجميع مرغَمين اتّفاق الوحدة المزعومة كما رغب فيه اللّاتين. وحدَه مرقص امتنع. فلمّا علم البابا أفجانيوس بالأمر هتف: “أسقف أفسس لم يوقّع، إذن لم نحقّق شيئًا!” دعا مرقص إليه وأراد الحكم عليه. تدخّل الإمبراطور وعاد الوفد إلى القسطنطينيّة بعد سبعة أشهر من الغياب. في القسطنطنيّة، رفض الشعب المؤمن الوحدة المزعومة. الشعب، عند الأرثوذكس، هو حافظ الإيمان. اعتُبر مرقص بمثابة موسى جديد وعمود الكنيسة. خرج عن صمته. كان همّه أن يعيد اللُّحمة إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة. سعى إلى ذلك بالكتابة والوعظ والصلاة والدموع. البيزنطيّون الوحدويّون استمرّوا ولو نبذهم أكثر الشعب. قال مرقص: “أنا مقتنع أنّي بقدر ما ابتعد الوحدويّين بالقدر نفسه أدنو من الله وجميع قدّيسيه. وبقدر ما أقطع نفسي عنهم بقدر ذلك أتّحد بالحقيقة”. كان الصراع صعبًا: أكثر السلطة الكنيسة في مواجهة أكثر الشعب المؤمن. لجأ مرقص إلى جبل آثوس. قُبض عليه في الطريق وأودع الإقامة الجبريّة في جزيرة ليمنوس بأمر الإمبراطور. أُطلق سراحه سنة  1442م. سلّم مشعل الأرثوذكسيّة، قبل موته، لتلميذه جاورجيوس سكولاريوس الذي أضحى أوّل بطريرك على المدينة بعد سقوطها في يد الأتراك باسم جنّاديوس. بقي فريق الوحدويين يأمل في وصول المعونات من الغرب وأعلن الوحدة من القسطنطينية رسميًّا في كانون الأوّل 1452 م. لكنّ التوقّعات خابت فسقطت القسطنطينيّة بيد الأتراك في 29 أيار 1453 م وسقطت معها وحدة الزيف والقهر.

 طروبارية القدّيس مرقص
إنَّ الكنيسة قد وجدتكَ، في اعترافكَ بالإيمان الحق، غيورًا إلهيًّا يا مرقسُ الكلِّيُّ المديح. عن المعتقد الأبويِّ مناضلًا، ولاِدلهمامِ الظَّلام داحضًا. فلذلك توسَّل إلى المسيح، أن يمنح الغفران للمعيِّدين.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share