في السنة 304م، زمن الإمبراطور ذيوكليسيانوس، وولاية فنتوريوس على صور، سقَطَ في تلك المدينة الفنيقيّة عدد من الشهداء للمسيح. أفسافيوس القيصريّ أورَدَ خبرهم في تاريخه (الكتاب 8 الفصل السابع). فبعدما تساءل: مَن ذا الذي رآهم ولم يدهش للجلَدات التي لا عدّ لها وللثبات العجيب الذي أظهره أولئك الأبطال وصراعهم، بعد الجَلد مباشرة مع الوحوش الكاسرة؟ ثمّ أردف قائلًا: “نحن أنفسنا كنّا حاضرين عندما تمّت هذه الحوادث ودونّا قوّة مخلّصنا يسوع المسيح الإلهيّة التي تجلّت وأظهرت نفسها بقوّة في الشهداء”. وأضاف: “ظلّت الوحوش الضارية وقتًا طويلًا لا تجسر على ملامسة أجساد أعزّاء الله هؤلاء أو الدنوّ منها. بالعكس انقضّت على من كانوا يستفزّونها من الخارج ويحفّزونها. كان الأبطال المبارَكون وافقين وحدهم عراة يلوّحون بأيديهم إليها ليحملوها على الاقتراب منهم. لكنّها كلّما هجمت عليهم كانت تقف وتتراجع وكأنّ قوّة إلهيّة تصدّها”. استمرّ ذلك طويلًا وأدهش المتفرّجين. ثبات هؤلاء المبارَكين كان لا يقهر وصبرهم لا يتزعزع. فكنت ترى شابًّا لم يُكْمل سنته الثانية والعشرين واقفًا غير موثق ويداه مبسوطتان بشكل صليب، منشغلًا في صلاة حارّة لله ولا يتراجع عن المكان الذي وقف فيه فيما النمور والدبب تلامس جسده وهي تنفث تهديدًا وقتلًا ومع ذلك أفواهها مغلقة بقوّة إلهيّة لا تدرك. وكنت ترى آخرين مطروحين أمام ثور برّيّ يقذف في الهواء بقرنيه كلّ من يقترب منه من الخارج ويمزّقه ويتركه بين حيٍّ وميت. فلمّا هجم بوحشية على الشهداء الأطهار، وكانوا واقفين وحدهم، لم يستطع أن يقترب منهم. أخيرًا بعد سلسلة من الهجمات المروّعة قتل الشهداء جميعهم بالسيف.
كان تيرانيون أسقفًا لكنيسة صور وزنوبيوس كاهنًا في صيدا. هذان مجّدا كلمة الله في أنطاكية بصبرهما حتّى الموت. وفيما أُلقي الأسقف في أعماق البحر مات زنوبيوس، كان طبيبًا ماهرًا، بسبب تعذيب شديد لقيَه على جنبيه. الخمسة الأوائل قضوا سنة 304 م فيما قضى الإثنان الباقيان سنة 310، لكنّهم أحصوا معًا.