بعنوان «رسالة رعوية بمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس 2010 إلى أبناء الرعية في حلب»
ما صدمني لدى إطلاعي على هذا البيان هو عمق الخلاف في الرؤيا بيننا وبين هذا الحركيّ القديم الذي هو سيادة المطران بولس يازجي. ويتركّز هذا الخلاف حول النقطتين التاليتين :
1- مركز الرعاة في الكنيسة :
لقد أقيم الرعاة بالفعل رؤساء في الكنيسة، لأن لا بدّ من رؤساء لتدبير شؤون الجماعة والسهر على استقامة الرأي فيها والحرص على أن يجري كل شيء فيها “بلياقة وترتيب”. ولكن هذه الرئاسة إنما هي في الأساس وظيفية أي أنها مُسخّرة في الأصل لحسن سير الجماعة وسدّ احتياجاتها وحفظها وإنمائها، ولكنها لا تجعل الرعاة بحال من الأحوال، أناساً من معدن آخر. فالرعاة، ولو أوكل إليهم أن يسوسوا الجماعة، إلا أنهم جوهرياً في الجماعة. إنهم يحتلون مركز الصدارة فيها ولكنهم ليسوا بحال من الأحوال فوقها. لقد بيّن المطران جورج خضر منذ زمن بعيد أن الرعاة هم، أصلاً وفي الجوهر، من شعب الله حيث الجميع أخوة، رعاة كانوا أو رعية، لأن أباً واحداً يرعاهم، وهو الأب السماوي. هذا ما علّم يسوع به صراحة: “أما أنتم فلا تدعوا أحداً يُسميكم “يا معلم”، لأن لكم معلماً واحداً وأنتم جميعاً إخوة. ولا تدعوا أحداً أبّاً لكم في الأرض، لأن لكم أباً واحداً هو الآب السماوي. ولا تدعوا أحداً يسميكم مرشداً. لأن لكم مرشداً واحداً وهو المسيح” . (متى 23 : 8 – 10).
2- فرادة الحركة في الكنيسة:
من جهة أخرى يصرّ سيادة المطران بولس على إلغاء فرادة الدور الذي تلعبه الحركة في الحياة الكنسية بصفتها داعية دائمة إلى “نهضة” فيها. يذهب إلى حدّ القول إنه “يخجل” من التلفّظ بهذه العبارة لأنه يرى فيها إدّعاءً، وكأن الحركة بدعوتها الملحّة إلى النهضة تتباهى بأنها قد حققتها، في حين أنها قالت دائماً بأنها مجرّد ساعية إليها، في صفوفها أولاً، وعبر ذلك في الكنيسة جمعاء، ولكن يبدو أن إلحاح الحركة على النهضة يضايقه لأنه يراه، خطأً، موجهاً إلى رجال الإكليروس وحدهم، فيستنكر أن يسمح علمانيون لأنفسهم بالتطاول على هؤلاء، يقول: “هل سيستمر النداء للإصلاح (إصلاح الإكليروس) للأبد؟ ولما يصير المصلحون إكليريكيين نعود ونصلحهم نحن العلمانيين؟”. لا يرى صاحب السيادة (وربما لم نساعده كفاية أن يرى) أن نداء الحركة الإصلاحي إنما هو موجه، بالدرجة الأولى، إلى المنتسبين إليها، المدعوّين إلى أن يكونوا رواد الإصلاح بالسعي الحثيث إلى تحقيقه في ذواتهم أولاً. في بديهيات الدعوة الحركية أن الحركيّ لن يوقظ أحداً إلا إذا أيقظه هو نداء المسيح وأقامه من بين الأموات.
ولكن سيادته لم يعد، على ما يبدو، يرى الأمور على هذا المنوال. فنداء الحركة صار، بالنسبة إليه، إدعاءً مزعجاً، كان له في الماضي ما يبرره، أما الآن فلا ينتج عنه سوى عرقلة حسن سير العجلة الكنسية وزرع الفوضى والقلاقل. لذا فهو يدعو إلى ما يسميه ” تبني” المؤسسة الكنسية للحركة، والمقصود تدجينها، بحيث تذوب الحركة في المؤسسة، فيتاح لهذه الأخيرة أن ترتاح إلى هيكليّاتها المألوفة وتستكين إليها بعيداً عن إزعاج رقيب.
ولكن المطران جورج خضر علّمنا منذ 48 سنة أن المؤسسة الكنسية تحتاج أبداً، كي لا تفقد طعمها وفحواها وحيويتها الخلاقة، إلى عنصر نبويّ نقديّ يوقظها أبداً ولو عن طريق إزعاجها بتصدّيه الدائم للمسلَّمات الروتينية والترداد الرتيب، والنزعة الرخيصة إلى التعبّد للأشكال على حساب الروح والمعنى. وكان ينسب للحركة، بموجب دعوتها الخاصة، الدور النبوي هذا، ويرى أن هذا الدور ليس عابراً وحسب، تقتضيه ظروف استثنائية، بل أنه دور دائم ينبغي أن يكون ملازماً لمسيرة الجماعة، وأن تعتبره المؤسسة الكنسية، على إقلاقه لها، نعمة من الله وإفتقاداً، ودعوة دائمةً إلى التجدد كي تحاكي الله في شبابه الأبدي وتبدو للأجيال حاملة رسالة حياة مهما تبدلت الظروف والأوضاع.
تدجين الحركة كما يدعو إليه سيادة المطران، ربما أراح الرعاة، ولكنه بالمقابل وبال على حيوية الكنيسة ومصداقيتها. لم يبق إذاً سوى الخيار بين التوتر الخلاّق، وجمود الموت. ولا يمكن للحركة أن تتنكّر لذاتها بدخولها في لعبة الموت هذه.
7/7/2010
ك.ب.