القدّيس اسبيريدون العجائبي أسقف تريميثوس

mjoa Saturday December 11, 2010 178

spyridon_the_wonderworkerوُلد القدّيس اسبيريدون وعاش في جزيرة قبرص، احترف رعاية الأغنام وكان على جانب كبير من البساطة ونقاوة القلب. وإذ كان محبا لله، نما في حياة الفضيلة، محبة للقريب ووداعة وخفرا وإحسانا واستضافة للغرباء. كل من أتى إليه زائرا كان يستقبله. على غرار إبراهيم خليل الله، وكأنه المسيح نفسه. الإنجيل بالنسبة إليه، كان سيرة حياته لا كلاما إلهيا وحسب. كان لا يرد محتاجا كان يجد عنده تعزية ولو يسيرة. قيل إنه اعتاد أن يستودع نقوده صندوقا مفتوحا وكان لكل محتاج وصول إليه. لم يهتمّ أبدا بما إذا كان صندوقه فارغا أو ممتلئا. هذا في نظره كان شأن ربّه. هو المعطي في كل حال ونعم الوكيل !كما لم يكن يسمح لنفسه بالحكم على المقبلين إليه إذا كانوا محتاجين بالفعل ام لا، مستحقين أو غير مستحقين.

هذا وتفيد الشهادات أن القدّيس إسبيريدون تزوّج ورزق ابنة وحيدة اسمها سلام (ايريني). فأما زوجته فرقدت بعد سنوات قليلة من زواجه واما ابنته فتبتّلت إلى أن رقدت في الرب وأبوها حي يرزق.

يذكر، وفق ما اورد سوزومينوس، انه كان للقدّيس عادة ان يمسك وعائلته عن الطعام أياما في الصوم الفصحّي ولا يتناول منه شيئا. وقد كان يحدث أن يمرّ به غريب أضنتّه أتعاب السفر، فكان رجل الله يستضيفه برأفة وفرح ويعدّ له طعاما يتقوى به. وإذا لفته الضيف إلى أنه مسيحي وأن عليه أن يحفظ الصيام كان القدّيس يخفّف عنه مؤكدا أنه ليس في الطعام ما ينجّس وأن للصوم أستثناء.

ذاع أسم القدّيس اسبيريدون في قبرص ذيوعا كبيرا. فلما رقد أسقف تريميثوس، المدينة الصغيرة القريبة من السلامية، عند شاطىء البحر، وقع اختيار المؤمنين بالإجماع عليه رغم أن ثقافته بالكتب كانت متواضعة. ولم تغيّر الأسقفية من طريقة عيش القديس شيئا لأنه أستمرّ راعيا للأغنام، فقير اللباس، لا يمتطي دابة بل يسير على قدميه، ويعمل في الفلاحة. لكنه، منذ أن تسقّف، التزم مهامه الرعائية بجد كبير ومواظبة وإخلاص.
كانت أبرشيته صغيرة جدا والمؤمنين فقراء، لكنهم غيارى على الإيمان. لم يكن في المدينة الصغيرة من الوثنيين غير قلة قليلة.

وقد جرى القدّيس على قسمة مداخيله إلى قسمين: قسم درج على إعطائه للفقراء، وقسم تركه لكنيسته وأهل بيته وإقراض الناس. لم يعتد أن يحمل همّ الغد. يكفي اليوم شرّه ويرسل الله غدا ما لا تعلمون! هذا كان عنوانه في تعاطيه والمحتاجين.

لما أثار الأمبراطور الروماني مكسيميانوس غاليريوس اضطهادا على المسيحيين لحق القدّيس اسبيريدون نصيب منه. فقد ذكر أنه نتيجة اعترافه بالمسيح فقد عينه اليمنى وقطع المضطهدون أوصال يده اليسرى وحكموا عليه بالأشغال الشاقة في المناجم.

لم تكن العلوم الإنسانية مألوفة لقدّيس الله لكنه كان يعرف الكتاب المقدّس جيدا. وإذ حدث، مرة، أن ألتقى أساقفة قبرص معا قام فيهم ترفيلوس، أسقف “لادري”، واعظا، تريفيلوس، حسبما أورد القدّيس إيرونيموس، كان أبلغ خطباء زمانه. فلما عبر بالقولة الكتابية” قم احمل سريرك وامش” استعمل عوض لفظة “سرير” الكتابية باليونانية لفظة أخرى متأنقة لعله حسبها أفصح من الأولى وأدق وأوفق. فاستهجن قدّيس الله فعلته وان يظن أنه يضيف بذلك نعمة إلى بساطة الكلام الإنجيلي فوقف سائلا معترضا إذا كان الواعظ يعرف اللفظة الموافقة أكثر من الرسول نفسه، صاحب الإنجيل؟

ثم قيل إن القدّيس اسبيريدون اشترك في المجمع المسكوني الأول الذي انعقد في مدينة نيقية،سنة 325 م، بناء لدعوة قسطنطين الملك. فلما حضر كان بهيئة راعي غنم وله صوف الخروف على كتفه، بعين واحدة ويده اليسرى ملتوية ولحيته بيضاء ووجهه مضيء وقوامه قوام رجل صلب على بساطة أخّاذة، فلم يكن من الأمبراطور والموجودين إلا أن وقفوا له إجلالا بصورة عفوية.

وقد جاء في التراث أن القدّيس اسبيريدون أفحم أحد الفلاسفة الآريوسيين في المجمع . لم يفحمه بقوة الكلام بل بالبساطة وبرهان الروح القدس فيه. وكان من نتيجة ذلك أن عاد الآريوسي عن ضلاله.

قرابة ذلك الوقت رقدت ا بنته سلام (إيريني). وكان أحد العامة قد استودعها غرضا جزيل القيمة، ربما كان ذهبا، فخبّأته في مكان آمن لا يدري به أحد غيرها، فلما كاشف الرجل قدّيس الله بالأمر فتّش له عنه فلم يجده. وإذ كان العامي حزينا وبدا في حال التأثر العميق، تحرّك قلب القدّيس شفقة عليه فذهب، وفق شهادة المؤرخين الكنسيّين سقراط وسوزومينوس، إلى قبر ابنته ودعاها بالإسم وسألها عن المكان الذي خبأت فيه الأمانة. فأجابته ودلتّه على المكان بدقّة. فذهبوا وفتّشوا فوجدوه حيث قالت لهم.

هذا وتنسب للقدّيس اسبيريدون عجائب كثيرة قيل إنه أجترحها وأستأهل بسببها لقب “العجائبي”.
رقد القدّيس في الرب في اليوم الثاني عشر من شهر كانون الأول من السنة الميلادية 348 .كان قد بلغ من العمر ثمانية وسبعين عاما. آخر ما يذكر التاريخ أنه اشترك، سنة 347 م، في مجمع سرديكا دفاعا عن القدّيس أثناسيوس الكبير هذا وتستقر رفات القدّيس اليوم في جزيرة كورفو اليونانية. جسده لم ينحل إلى اليوم. بقي في قبرص حتى القرن السابع الميلادي، ثم إثر الفتح العربي جرى نقله إلى مدينة القسطنطينية حيث أودع كنيسة قريبة من الكنيسة الكبرى. وفي العام 1456 م تمّ نقله خفية إلى جزيرة كورفو بعدما سقطت القسطنطينية في أيدي الأتراك. لقد كان جسد القدّيس وما زال إلى اليوم ينبوعا لأشفية كثيرة وهو شفيع كورفو حيث سجّل أنه أنقذ الجزيرة من وباء الكوليرا مرة، ومن الغزو الأجنبي مرة أخرى.

 

الطروباريّة

لقد ظهرت عن المجمع الأول مناضلاً، وللعجائب صانعًا، يا أبانا  اسبيريدون المتوشح بالله،

فلذلك خاطبت الميتة في اللّحد، وحوّلت حيّةً إلى ذهب،

وعند ترتيلك الصلوات المقدّسة، كانت لك الملائكة شركاء في الخدمة، أيّها الكليّ الطهر.

فالمجد للذي مجّدك، المجد للذي كلّلك، المجد للصانع بك الأشفية للجميع

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share