في أواخر العقد الرابع الميلادي (338م -340م) اجتاحت المسيحيّين في بلاد فارس موجة اضطهاد واسع النطاق كان أوّل شهدائها الشهيد رؤساء الكهنة سمعان الفارسي الذي تعيّد له الكنيسة في اليوم السابع عشر من شهر نيسان من كلّ عام. هذه الحملة امتدّت أربعين سنة وكان خاتمتها الشهداء الثلاثة الذين نعيّد لهم اليوم :أكبسيماس ويوسف وأيثالا.
ففي زمن الملك الفارسي شابور الثاني، وبالتحديد في أواخر العقد الثامن من القرن الرابع (376 -379 ) منح شيوخ المجوس سلطات واسعة خوّلتهم ملاحقة المسيحيين في كل مكان وأستعمال كافة الأساليب والوسائل اللازمة لمحو المسيحية من البلاد. الحجة في ذلك كانت ثلاثية :
أولاً :لأن المسيحيين يشكلون خطرا حقيقيا على التراث، لا سيما عبادة الشمس والنار.
ثانيًا :لأن المسيحيين يهدّدون الجنس الفارسي بالأنقراض حيث يشيّعون أن العذرية أسمى من الزواج.
ثالثًا :لأن المسيحيين يأبون الرضوخ للملك وسلطانه الشامل على رعاياه، فهم، بهذا المعنى، ثوّار متمرّدون يتهدّدون المملكة من الداخل.
لهذه الأسباب مجتمعة صدرت الأوامر، بإسم الملك، بإلقاء القبض على أكبسيماس أسقف مدينة باكا، في مقاطعة أونيتي واستيق للأستجواب. كان أكبسيماس شيخا في الثمانين من العمر وقورا،ممتلئا حسنات حيال الفقراء والغرباء،كثير الأصوام والصلوات والسجود، يذرف الدموع، على الدوام، مدرارا.فحالما ألقى الجنود عليه الأيدي بادره بعض أصدقائه مطمئنين بالقول :”لا تخف يا أبانا، سنحافظ لك على دارك” فتطلع إليهم وقال :”ليس هذا البيت بعد اليوم بيتي. فأنا لا أملك غير المسيح.هو وحده ربحي. أما الباقي فلم يعد له وجود عندي”.
وأخذ أكبسيماس إلى مدينة أربيل حيث أعترف أمام المجوس ولم ينكر أنه يكرز بالإله الواحد ويدعو الناس إلى التوبة وعبادة الخالق دون المخلوق، فأشبعوه لطما وجلدا وألقوه في سجن مظلم .
ثمّ إنه حدث في ذلك الوقت أن ألقي القبض، وللأسباب عينها، على يوسف الكاهن من بيت كاتوبا. هذا أيضا كان شيخاً ناهز السبعين من العمر. كما أمسك العسكر الشماس أيثالا من بيت نوهورا وكان في الستين من العمر. هذان أستيقا إلى مدينة أربيل أيضا حيث مثلا أمام شيوخ المجوس هما أيضا .
هدّد الحاكم يوسف الكاهن بالموت بتهمة إفساد الناس بالسحر الذي كان يمارسه، وكانم يقصد بذلك إقامة الأسرار المقدّسة، فأجاب يوسف :”نحن لا نمارس السحر بل نعلّم الناس الحقيقة لكي ينبذوا الصور التي لا حياة فيها ويعرفوا الإله الحي الحقيقي وحده “. فأردف الحاكم قائلا :”ولكن الملك وحده على حق …”، فأجابه يوسف :
“إنّ الله يحتقر الكبرياء والعظمة والغنى في هذا العالم. أجل نحن فقراء مساكين، ولكننا أرتضينا ذلك لأنفسنا طوعا.نحن نعطي الفقراء من عرق جبيننا، أما أنتم فتسرقونهم. ليس الغنى سوى وهم وخيال يزول بزوال الحياة على الأرض. وهذا هو السبب في إننا لا نتعلق به لكي نحسب أهلا للمجد الآتي”.
أثار هذا الكلام حفيظة الحاكم فأوعز إلى رجاله بمعاقبة يوسف،فأشبعوه ضربا بقضبان الرّمان الشائكة حتى جرّحوا جسمه كله.
ثمّ جيء بأيثالا فأمر بعبادة الشمس وشرب الدم وإتخاذ امرأة انفسه والأنصياع لأوامر الملك والا واحه التعذيب والموت فأبى قائلا:” خير لي أن أموت لأحيا من أن أحيا لأموت إلى الأبد”. فأخضعوه، للحال، للتعذيب. وبعدما جلدوه وحطّموا يديه ورجليه ألقوه في السجن المظلم الذي ألقي فيه أكبسيماس ويوسف.
بقي الثلاثة في السجن ثلاثة أشهر غيّر الحرمان والبرد والرطوبة والمعاناة خلالها هيأتهم حتى قيل أنه ما كان بإمكان إنسان مهما قسى قلبه أن يرى منظرهم المريع ولا ينفطر أسى عليهم. ثم بعد أستجوابات اضافية حاول المجوس خلالها تحطيم مقاومة هؤلاء المعترفين الثلاثة دون جدوى، سقط أكبسيماس صريعا تحت الضرب، فيما ألزم بعض المسيحيين برجم يوسف وأيثالا حتى الموت.
وهكذا قضى هؤلاء الشهداء الثلاثة واضعين بدمائهم حدا لتلك الحملة الشرسة التي طالت المسيحيين أربعين سنة في ذلك الزمان .
الطروبارية
شهداؤك يا ربّ بجاهدهم نالوا منك الأكاليل غير البالية يا إلهنا،
لأنّهم أحرزوا قوّتك، فحطّموا المغتصبين، وسحقوا بأس الشياطين الّتي لا قوّة لها،
فبتوسّلاتهم، أيّها المسيح الإله، خلّص نفوسنا.