كان بلاسيدس، وهو اسم أوسطاتيوس قبل تعّرفه على المسيح، ضابطاً كبيراً في الجيش أيام الأمبرطورَين تيطس وترايان. كان رجلاً بارّاً كثير الإحسانات، محبّاً للفقراء. ذهب مرّة في رحلة صيد وراء الأيّلة والغزلان. وفيما كان جادّاً يبحث عن طريدة، إذا بغزال يظهر أمامه فجأة، فأخذ قوسه وشدّ سهمه وهمّ بتسديده. ولكن، فجأة، لمَع شيء بين قرنَي الغزال فتريّث وأمعن النظر جيداً فرأى هيئة صليب يلمَع كالشمس وشخصُ الربّ يسوع المسيح مرتسماً عليه. وإذا بصوت يأتيه قائلاً: “بلاسيدس، بلاسيدس، لماذا تطاردني!؟ أنا هو المسيح الذي أنت تكرّمه بأعمالك ولا تدري. لقد جئتُ إلى الأرض وصرتُ بشراً لأخلّص جنس البشر. لذلك ظهرتُ لك اليوم لأصطادَك بشباك حبيّ”. فوقع بلاسيدس عن حصانه مغمًى عليه. وبقيَ كذلك بضع ساعات. وما أن استردّ وعيَه وأخذ يستعيد ما جرى له حتّى ظهر له الربّ يسوع من جديد وتحدّث إليه، فآمن بلاسيدس وقام إلى كاهن علّمه الإنجيل وعمّده هو وأهل بيته. فصار اسمه، من تلك الساعة، أوسطاتيوس واسم زوجته ثيوبيستي وولدَيه أغابيوس وثيوبيستس. ووصَل الخبر إلى ترايان فأمَر بمصادرة ممتلكاتِه. وكان على وشك إلقاء القبض عليه عندما تمكّن، بنعمة الله، من التواري. وشيئاً فشيئاً كشفَت الأيّام أنّ شدائد وضيقات عظيمة كانت تنتظره. ففيما كانت العائلة تهمّ بمغادرة مركب كانت تفرّ به، إذا بصاحب المركب يخطف زوجته ويحتفظ بها لنفسه، فأخذ ولدَيه ومضى حزيناً مغلوباً على أمره. وفيما كان الثلاثة يجتازون نهراً إذا بأغابيوس وثيوبيستس يقعان بين الوحوش، وينجو أوسطاتيوس. وهكذا وجَد نفسَه وحيداً، وحدهَ الإيمان بالربّ يسوع حفظه في الرّجاء. وعلى مدى سنوات طويلة، استقرّ في قرية من قرى مصر أجيراً، لا يدري العالم به. ذات يوم تحرّك البرابرة على الأمبراطورية الرّومانيّة ممّا أقلق الأمبراطور فراح يبحث عن قائد شجاع ذو خبرة في الحروب. أخيراً تذكّر الأمبراطور الضابط السّابق بلاسيدس فأخذ يبحث عنه في طول البلاد وعرضها، ولمّا اهتدى إليه أعاد له ألقابه وممتلكاته، وخاض المعركة ضدّ البربر وانتصر عليهم. وفي عودته التقى بزوجته وولديه سالمين وهكذا تعزّى الجميع. وبعد وفاة ترايان حلّ أدريانوس مكانَه الذي أراد أنّ يقدّم الشكر للآلهة فدعا قادة جيشه إلى رفع الذبائح للأوثان. ولمّا جاء دور أوسطاتيوس امتنع عن الأمر، فلم يرق الأمبراطور ذلك التصرف وعدّه عصياناً فأمر بمصادرة أملاك القائد أوسطاتيوس وألقاه مع عائلته في قدر زيت مغليٍّ فأسلموا الرّوح.