كتاب “جبل الصمت”

mjoa Wednesday October 12, 2011 370

مختارات من الفصل العاشر

في عصرِ ذلكَ اليوم، طلبَ منِّي أنْ آخذَه بالسيَّارةِ إلى أسفلِ الجبل، مسافةَ نصفِ ساعةٍ من الدير، إلى ورشةِ بناءِ ’مركزِ الحمايةِ القدُّوسة‘، وهو مركزُ إعادةِ تأهيلِ المدمنينَ على المخدِّرات. بدأَ العملَ ببنائِهِ قبلَ عامٍ تقريبًا بمبادرةٍ شخصيَّةٍ منه. وفيما كنَّا متوجِّهَينِ بالسيَّارةِ إلى المكان، روى لي عنِ الظروفِ التي أدَّتْ إلى إنشاءِ هذا المركزِ.
فمنذُ سنةٍ ونصفٍ تقريبًا، بدأَ الأبُ مكسيموس بزياراتٍ منتظمةٍ لشابٍّ مسجونٍ مدمنِ مخدِّراتٍ لأجلِ مساعدتِه. كان إطلاقُ سراحِ الشابِّ وشيكًا، ذلك بعدَ تمضيةِ عقوبةِ السجن. ولكنْ لم يكنْ هنالِك، في ذلكَ الوقت، أيُّ مركزٍ متخصِّصٍ يساعدُ في إعادةِ تأهيلِه. عندَ سماعِه هذا، عمِلَ الأبُ مكسيموس ما يُجيدُ فعلَه، وهو الصلاةُ من أجلِ هذا الأمر. بعدَ ذلك، وقعتْ حادثةٌ غريبةٌ في الدير، إعتبرَها الأبُ مكسيموس استجابةً لصلاتِه وتدخُّلًا إلهيًّا. روى ما يلي:

باكرًا في صباحِ السادسِ من كانونَ الثَّاني ١٩٩٦ ، ما إنْ فتحَ الرهبانُ بوَّابةَ الديرِ، حتَّى دخلَ كلبٌ برِّيٌّ متوحِّشٌ إلى باحةِ الديرِ الداخليَّة. كانَ الكلبُ خارجًا عن السيطرة، قضمَ ساقَ الأبِ أرسانيوس، وعندما حاولَ الأبُ إسحقُ التدخُّلَ، عضَّ ذراعَهُ الأيمن. كانَ الأمرُ فظيعًا. في النهاية، استطعْنا طردَهُ خارجَ البوَّابةِ وأغلقناها بِإحكام. إلاَّ أنَّ الكلبَ لم يغادرِ المكانَ واستمرَّ بالعِواء والنباح في الخارج. كانَ عيدُ الظهورِ الإلهيِّ، فَقلِقْنا على سلامةِ القادمينَ للمشاركةِ في خدمةِ الصباح. لذا استدْعَينا الشرطة. إلاَّ أنَّهم أجابوا أنَّ عملَهم لا يشملُ الكلابَ الضالَّةَ وبأنَّه يجبُ علينا الاتِّصالُ بهذهِ الوكالةِ وتلك. وهذا ما فعلناه. أتتصوَّرُ ما كانَ ردُّهُم؟

حذَّرونا من التسبُّبِ بأيِّ أذًى للكلبِ وأكَّدوا علينا أنْ نطعِمَهُ ونهتمَّ به إلى حينِ وصولِهم. وقبلَ وصولِهم إلى الدير، اتَّصلوا بنا عدَّةَ مرَّاتٍ للتأكُّدِ، لا على سلامةِ الناس، إنْ كانَ أحدُهم قد تعرَّضَ للأذى بلْ على سلامةِ الكلبِ وحالِه
ضحِكَ الأبُ مكسيموس كعادته وقال ” أتصدِّقُ ذلك؟”.

ثمَّ تابع : “بعدَ تلكَ الحادثةِ، فكَّرتُ، إنْ كانَ هنالِك هذا القدرُ من الاهتمامِ والحرصِ على سلامةِ الكلابِ البرِّيَّةِ، ألا يجدُرُ بنا أنْ ننشِئَ وكالاتٍ ومراكزَ تعتني وتحرصُ على سلامةِ مدمني المخدِّرات؟ إنْ كانَ هنالِكَ بيوتٌ تحتضنُ الكلابَ الضالَّة، فلماذا لا يكونُ هناكَ بيتٌ يحتضنُ أولئكَ المدمنين؟” …

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share