كلمة الأمين العام رينيه أنطون في المؤتمر ال23 لمركز طرابلس

mjoa Monday October 24, 2011 233

سيادة راعينا الجليل المتروبوليت أفرام

الآبـاء الأجلاء

أخي رئيس مركز طرابلس

إخوتي،

بدايـة أرجو أن يواكبكم الرب بنوره ويُنعم عليكم بالحكمة ليحقّق هذا المؤتمر، برعاية سيدّنا القديس وصلواته، ما يُرتجى منه في سبيل خدمة الكلمة الالهي. إنها المرة الأخيرة التي أحدّثكم بها من موقع الأمين العام، إذ أرجو أن يوفق الله مؤتمرنا العام نهاية هذا الشهر في انتخاب امين عام جديد يساهم في قيادة حياة الحركـة الى مزيد من التزام يسوع المسيح وخدمته والتجدّد به. لهذا، وارتكازاً الى ما خبرته في مدّة مسؤوليتي الطويلة، أرى واجباً أن أشارككم، وإن باختصار وإيجاز، في أهمّ ما أراه من علامات المُستقبل الآتي والأولويات المرتبطة به التي يجب أن تتصدّر اهتماماتنا على صعيدّي الحياة الحركية الداخلية والحياة الكنسية، واعذروا إغفالي للصعيد الشهاديّ، رغم أهمّيته اليوم، بسبب ضيق الوقت.

في الصعيد الداخليّ: لا شكّ بأن حياتنا الحركيـة توسم بالحيويـة والنشاط. وعلى هذا أشكر الله الذي أنعم على هذه الشبيبة، في زمن المُغريـات الكبيرة والكثيرة، أن تبقى على فرادتها وسط شباب اليوم، على سعيها إلى وجهه الحبيب رغم ما يعتريها من ضعفات وقدر ما أنعم عليها من محبّة وقوّة. غير أنّ هذا لا ينفي الحذر من أن تخرج هذه الحيويـة الحركيـة عن المسار المرجوّ لها ما لم تُصهر، دائماً، في خدمة الهدف الذي من أجله وجدت. دعونا نتذكّر أن كلّ ما وُجد في الحركـة إنّما هو لأجل بنيان الشخص والجماعة في الايمان بيسوع المسيح والوصول بهم الى التزام المسيرة الايمانية بوجوهها كافةً. ولنتذكّر أن أيّاً كان موقع المسؤول الحركي ومهمته فإنما غاية مسؤوليته هي أن يساهم، عبر ما ما يُسأل عنه، في هذا البنيان. فأن تسير حياة المؤسّسة الحركية بانتظام ونموّ لهو، دون شكّ، أمرٌ جيّد ومطلوب، غير أنّه لا يحقّق الغاية ولا يخدم، وحده، هدفنا الأوحد. هذه الحيوية تمسي فارغة ما لم تُملأ بروحية التيارّ الحركيّ، ما لم تُلحظ هذه الروحية نافرةً فيها، روحية الشركة والأخوّة والصلاة ودراسة الكلمة والمحبّة والمواكبة والتشجيع على ما يُلحظ من التزام لدى الأخوة لأيّ وجه من وجوه قضيّة الربّ. لذا فإن أولويات خدمتنا الداخلية، اليوم ودائماً، هي العمل على أن نرصف، باجتماعاتنا ورحلاتنا ولقاءاتنا وندواتنا وأنشطتنا ومبادراتنا، الطريق الذي يصل شبابنا بيسوع المسيح وكنيسته، وأن نُبدع ، في هذا الزمن الصعب جداً، ما يُبقي للصلاة والصوم وعُشرة الكتاب المقدّس والتراث الكنسيّ في حياة الشباب موقعهم الأولّي. وإذ أعلم تماماً أنهّا ليست بمهمّة سهلة لكون التربية على التزام الربّ اليوم هي أصعب المهمّات أرى، إضافة إلى أهميّة بحثنا عن تعاط تربويّ أفعل من الذي نعهده، أن بداية الطريق تمرّ، حكماً، بمعبرين أعيد التذكير بهما ولو للمرّة الألف:

أولاً، أن نأتي بالمرشد الذي نشتهي أن تكون حياة الشباب شبيهة بحياته في المسيح وإن إقتضى ذلك، في بعض الأحيان والأماكن، تخطّي النظم والأطر والخروج عنها.

ثانياً، أن نقود شبابنا إلى أن يقرأوا الحركة، أيّ أن نقودهم إلى أن يكتسبوا نهضة الفكر والعقل والقلب والحياة من خلال عشرتهم لتراث حركتهم، لكتابات جورج خضر وكوستي بندلي وغيرهم الكثيرين. واهمٌ كثيراً من يعتقد ويظنّ أن تراث الحركة هو من عندياتها. هو، عامةً، وليد عشرة هؤلاء للربّ، وغرسٌ للتراث الكنسي في قلب حياتنا، اليوم، وهمومها وقضاياها عبر عقل وعلم مُعمّدين. يقيني أنّه إن دفعنا شبابنا الى حضن التراث الحركيّ سيسهل علينا أن نبني فيهم الشخصية الايمانية السويّة، القويّة، المُنفتحة التي لا تجزع من قضيّة حياتية أو علم أو حداثة بل تقارب كلّ الأمور وتواجهها بخصوصية المؤمن الواثق. هذه الشخصيّة، الصادقة في التزامها الربّ، هي ما تحتاجه كنيستنا، كأساس، إن شاءت أن يكون لها تأثير وشهادةٌ في عالمنا اليوم، والباقي يتبع ويُكمّل.

في الصعيد الكنسي الأنطاكيّ: نحن نعيش، على هذا الصعيد، مرحلة مفصليةً انتقالية. إذ أن جيل كبار كنيستنا، الذين كان لهم الدور والقيادة والتأثير في تغيير وجهها على مدى العقود السابقة، يأفل ويضعف حضوره، وأجيالاً أخرى شابة تتقدّم لتحلّ محلّه وتقود. لا يسمح الوقت أن أتوسّع أمامكم بشرح ما يُضفي على هذه المرحلة وجهاً سلبياً وحسّاساً، لكنّني أكتفي بالاشارة إلى أهمّه، وهو، باختصار وإيجاز، أن مُستقبل كنيستنا لعقود قادمة يُبنى اليوم وسط ما يعتري المؤسسة الكنسية من غموض الرؤى وغياب التخطيط والاستهتار بقوانين الجماعة والتفرّد وحسابات شخصية. هذا معطوفاً على الأخطر الذي، حقيقةً، يحجب عن الجماعة الكنسية أن تكون فاعلةً في ورشة تصحيح الواقع، وهو الخلط بين ما أسمّيه، مجازاً، “لاهوت الرعاية والخدمة” وبين التوجّهات التسلّطية المتصاعدة والسائدة، اليوم، في أكثر من أبرشية وموقع كنسيّ والتي، على الصعيد العمليّ، تجرّد كنيستنا من هويّتها الشركوية المواهبية. وماذا إن توّج هذا الواقع الأليم بما نشهده من ارتياح بعض رؤسائنا الكنسيين إلى وجوه الدنيا في الكنيسة، إلى السياسيين والنافذين وانزعاجهم، في آن، من الأبناء. فبعض الرعاة، اليوم، يجرّ المؤسسة الكنسية، من حيث يدري أو لا يدري، الى أن تكون أقرب الى الغرباء عن الربّ وأبعد عن أقربائه، وهو الأمر الذي يُفسّر لكم ما تلحظونه من غرق بعضهم في وحول الحقوق الطائفية والخوف من الأكثريات وتغرّبهم عن الروح الشهادية التي تجلّت في البيان الشهير للمجمع المقدّس العام 1975.

لذلك، وأيّأً كانت الأسباب المباشرة، فالسبب الحقيقيّ العميق لاستهداف الحركة في مواهبيتها وحرّيتها هو هذا الواقع وامتدادته، وكلّ ما يُذكر من أسباب أخرى هو، برأيي، لغوٌ بلغو. إنني لم ولن أدافع يوماً عن ضعفات الحركيين وأخطائهم وأنا أكثرهم ضعفاً، ولا أنكر هذه الضعفات ولا أدعوكم الى الدفاع عنها. ما أدعوكم إليه، كأولوية في سلّم أولويات المرحلة الآتية، ومعكم أدعو كلّ من رفعه رحم الحركة إلى معرفة الربّ من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين، هو أن تكونوا أوفياء لهذا الرحم. الوفاء للحركة هو وفاء للربّ لأنّ كلاً منّا يعلم، في قرارة نفسه، أين كان موقع يسوع المسيح في حياته خارج الحركة وأين أمسى في حياته داخلها. فالدفاع عن وجود الحركة وحرّيتها وسعيها وإخلاصها، وهو لا يتعارض أبداً مع مصارحتها بضعفاتها، إنّما هو “دفاعٌ عن أن كنيستنا هي كنيسة الروح القدس” (الأب إيليا متري) وعدم تنكّر لهذا الروح. إن رسوخ الحضور الحركيّ في إنطاكية، مقروناً، بالطبع، باستقامة هذا الحضور، يضمن بعض الشيء أن لا يستمرّ الربّ متألّماً من واقع كنيسته مدى هذه العقود. أقول بعض الشيء، لأن الضمان الأشمل هو في أن يتحمّل المُخلصون لقضية المسيح في المجمع المقدّس مسؤولياتهم المجمعية الكبرى على هذا الصعيد، وفي عملنا، بانتظام ومُثابرة، على نشر الوعي الايماني لدى الشعب الأنطاكيّ الذي يكشف له، وخصوصاً للشباب منه، موقعه لدى الربّ ومسؤوليته عن كنيسته.

من هنا يبرز ما أقدمنا عليه في الأمانة العامّة من عقد مؤتمرات رعائية حول موضوع المشاركة في حياة الكنيسة وفرز لجنـة تنفيذيـة، تضمّنا إلى أبناء آخرين في الكنيسة، تتوجّه الى المؤمنين تثقيفاً وتوعية وإعلاماً كنسياً رعائياً، وإلى السادة المطارنة محاورة وسائلة ما ترى فيه استقامةً لحياة الكنيسة وخدمتها. وأشكر الله أن العمل انطلق والطريق يُكشف أمام الأخوة المعنيين آملاً أن يواكب بانفتاح حركيّ على كلّ المؤمين في كلّ رعية. هذا توجّه وجب، في يقيني، أن يُدعم ليثبت ويستمرّ لأنّه تصحيح لاهمالنا، زمناً طويلاً، التوجّه إلى كلّ المؤمنين لإشراكهم في هموم الكنيسة. كما أرجو أن تستكمل الحركة هذه الورشة البشارية باطلاق مركز الدراسات الأرثوذكسية الذي بات مشروعاً جاهزاً مطروحاً على الأمانة العامّة الجديدة لاقراره. هذا المركز سيقدّم مقاربات شاملة لكافة حاجات كنيستنا الرعائية والبشارية تساهم في تنصير نصارى اليوم وفق مُقتضيات زمننا وحاجاته وفي صون الكنيسة وحركتها من المراوحة والجمود .

 

ختاماً يا أحبّة، راسخٌ هو إيماننا بأن الله في وسط كنيسته فلن تتزعزع، لكن هذا لا يجب أن يُغيّب إرادة الله أن يعكس الرعاة والأبناء مشيئته في كنيسته. وراسخة هي قناعتنا أن البشر أعجز من أن ينالوا مما أنجزه، ويُنجزه، الروح القدس في إنطاكية منذ العام 1942 وإلى اليوم، لكن هذا لا يعفينا مما يُفرح الروح ويُرضيه وهو أن تستمد الحركـة ثباتها من ثبات كلّ منّا في المسيح، وخدمتها من خدمة كلّ منّا لكنيسته. على هذا الرجاء أدعكم، مع محبتّي، طالباً صلواتكم، وصلوات راعينا الحبيب المتروبوليت أفرام داعياً له بأعوام عديدة والسلام.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share