كيف نواجه أسئلة أولادنا عن الجنس؟ – “نحن وأولادنا” – منشورات النور – الطبعة الأولى – 1984

mjoa Wednesday September 24, 2008 149

طبعات أخرى: جرّوس برسّ – الطبعة الثانية – 1997

 

kaif Nouajehإنطلقت هذه الدراسة من الأسئلة التي تلقيتها من أهالي تلامذة قسم الحضانة والقسم الإبتدائي في إحدى مدارس طرابلس في ربيع 1978 تمهيداً لحديث كانت قد دعتني إدارة هذه المدرسة إلى إلقائه أمامهم حول العلاقات بينهم وبين أولادهم. وقد توزعت الأسئلة المذكورة إلى عدة مواضيع تمّت معالجة بعض منها وأُغفل البعض الآخر لضيق الوقت. وكان من بين المواضيع التي اضطررت إلى إغفالها حينذاك، موضوع مواجهة الوالدين لتساؤلات أولادهم حول الجنس، وهو موضوع كان قد أُثير، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أسئلة الأهل المشار اليها آنفًا، وذلك على الوجه التالي:

.

 

• “كيفية الإجابة عن أسئلة الأولاد المحرجة:
أ‌- من أين يأتي الطفل؟
ب‌- كيف يولد الطفل؟”.

• “هل في كذب الوالدين وإعطاء معلومات خاطئة وأجوبة غير صحيحة، لأن ذلك يخلّصهم من ورطة أسئلته وتساؤلاته، أي ضرر على نفسية الطفل؟”.

• “لماذا الطفل يسأل أسئلة أكبر من سنّه ولا نعرف كيف نجيبه عنها؟
“هل نجيبهم عنها أم لا؟
“هل الطفل يلاحظ على الوالدين ماذا يجري بينهم أثناء الليل ولماذا؟
“هل يؤثر نوم الطفل مع والديه في نفس الغرفة؟
“أرجو بأن لا تتضايق من هذه الأسئلة وشكراً”.

• “ذكية تحب تسأل عن كل شيء…” (عن طفلة في السنة الأولى من روضة الأطفال).

• “كثير الأسئلة لدرجة السؤال عن الموت وأيضاً لدرجة السؤال عن ميعاد زواجه. واسع الخيال واسع الأفكار لدرجة أن لديه أولاد في بيروت، في فرنسا، في جميع أنحاء العالم” (ملاحظة والد عن طفله في السنة الثانية من روضة الأطفال).

وقد وطّدت العزم منذ ذلك الحين على أن أعود ذات يوم إلى هذا الموضوع الحسّاس وأحاول الإجابة عن الأسئلة التي أولاني الوالدون ثقة الإفضاء بها إليّ بشأنه. وها إنه قد أتيح لي، والحمدلله، أن أنجز، ولو متأخراً، الوعد الذي كنت قد قطعته على نفسي، وأن أقدِّم “لزملائي” و”زميلاتي” في هذه “المهنة” البالغة الدقة والأهمية (مع أنه يندر أن يهتم المجتمع، وخاصة في بلادنا، بإعداد المعنيّين إليها)، “مهنة الوالدين”، أن أقدِّم لهم هذا الكتيب، حلقة جديدة في سلسلة “نحن وأولادنا” الصادرة عن منشورات النور.

مضمون هذا البحث يتركز لا على التربية الجنسية بشكل عام، إنما على ناحية منها على وجه التخصيص، وهي الإعلام الجنسي الذي ينبغي توفيره للأولاد عبر الإجابة عن تساؤلاتهم عن الجنس، وذلك استجابة لما وُجّه إليّ من أسئلة من قِبَل الوالدين. ثم إنني، ضمن هذه الحدود التي رسمتها لدراستي، اخترت لنفسي حدوداً أخرى، ألا وهي أن لا أتناول إلاّ الفترة من العمر التي تسبق  المراهقة، وذلك لإعتبارَين، أولهما أن هذه الفترة أساسية جداً في سياق الإعلام والتربية الجنسيين ولا بدّ بالتالي أن يستند إليها كلّ مجهود لاحق يبذل في هذا الصدد حتى يأتي بكل ثماره، والثانية أن دور الوالدين الأساسي في الإعلام والتربية الجنسيين إنما يأخذ كل حجمه في هذه المرحلة بالذات، أما فيما بعدها، فإن خصائص المراهقة والشباب تقتضي من الوالدين، لا التخلّي عن كل دور من هذا القبيل، انما إفساح المجال إلى حد بعيد لسواهم من أشخاص ومؤسسات ووسائل تربوية يجدها ولدهم خارج حدود الأسرة- تلك الحدود التي تدفع حركة النموّ الفتاة والفتى إلى تجاوزها في هذه المرحلة من العمر- فيتلقى تأثيرها بأكثر ترحيب مما يتلقى توجيه والديه.

إلاّ إن التركيز على الإعلام الجنسي، المعتمد منهجياً في هذه الدراسة، لا يعني البتة إمكانية عزل هذا الإعلام عن الأبعاد الأخرى التي تتكون منها ومنه التربية الجنسية بصورتها المكتملة. فالإعلام (Information)، كما سوف يتبيّن من هذه الدراسة، لا يقتصر على إكساب الولد معلومات ذهنية عن الجنس، إنما يساهم في تحديد موقفه المعاش منه، وبالتالي فهو يصبّ حكماً في تنشئة (Formation)تتعداه. هذه التنشئة يحددها لا مضمون الإعلام وحسب، إنما الخلفية التي ينطلق منها ويتلوّن بها، ألا وهي المناخ الذي يشيعه موقف الوالدين من الجنس، ذلك الموقف الذي يتأثر لا محالة بنوعية العلاقة الزوجية القائمة بينهما. هكذا فإن الإعلام الجنسيّ الوالديّ يتخطى حيّز نقل المعلومات ليحمل رسالة تربوية يتلقفها الولد ليبني بموجبها شخصيته ومواقفه، إن على الصعيد الجنسي أو على الصعيد الإنساني الشامل. إن ما يحتاج الولد إلى اكتشافه والتأكد منه، من خلال الإعلام الجنسي الذي ينتظره من والديه كما ومن خلال مجمل العلاقات الأسرية التي لا يمكن فكّ هذا الإعلام عنها، هو أن الجنس، كما يراه ويحياه والداه، أمر هامّ ومشروع ونظيف وسعيد بحدّ ذاته، وأنه مرتبط بالحب الذي يجمع أبويه أحدهما بالآخر وبحبهما له، وأن كلاً منهما مرتاح إلى صفاته الجنسية المميّزة، من ذكورية أو أنثوية، وإلى الدور الجنسي الذي تحدده هذه الصفات، وأن كليهما يرحّب بالجنس الناشئ لدى ولدهما بما يتميّز به من ذكورة أو أنوثة، ويترقب بفرح نموّه التدريجي وسيره نحو اكتمال الرشد.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share