الوجود المسيحي في جنوب لبنان المتواصل منذ الفي سنة

mjoa Wednesday January 18, 2012 239

المكتشفات الاثرية الجديدة  التي تم العثور عليها مؤخرا  في مدينة صور قرب الكاتدرائية المارونية ، تلقي يوما بعد يوم  المزيد من الاضواء على معالم الوجود المسيحي في المدينة  وعلى عراقة تاريخه . حول هذه المعالم القديمة التي تعود الى السنوات الاولى من ظهور الرسالة المسيحية في جنوب لبنان والذي كان يشكل جزءا من فينيقية الساحلية تحت الاحتلال الروماني .
خصصت  مجلة شؤون جنوبية في عددها الاخير لشهر كانون الثاني  الحالي من العام الجديد بحثا حول هذا الموضوع بقلم سوزان فقيه تحت عنوان “هل تتحول كابيلا صور البيزنطية المارونية الى واجهة سياحية كبيرة؟”. علما ان المجلة عينها كانت قد نشرت في السنة الماضية تقريرا اشارت فيه الى “انقراض المسيحيين في صور”  اثار في حينه ردودا احتجاجية متنوعة. نحاول في ما يلي ان نقدم خلاصة عن التقرير – مع بعض الاضواء عليه .تقرير شارك في الاجابة على اسئلته كل من سيادة مطران الابرشية شكرالله الحاج والمنسنيور شربل عبدالله المتخصص في تاريخ الفن الكنسي وعلي بدوي مسؤول الاثار  في مدينة صور .

عن تاريخ وماهية الاكتشاف الجديد اوضح المطران الحاج راعي الابرشية المارونية ان الكابلا الاثرية تم اكتشافها لدى محاولة القيام باعمال حفر لبناء كابيلا حديثة تخليدا لذكرى “شهداء صور” الخمسماية الذين كانوا من ضحايا موجات الاضطهاد في القرن الرابع . وقد درجت الكنيسة المارونية على احياء ذكراهم  في اكثر من مناسبة مثبتة في روزنامة اعيادها السنوية، في ١٩ شباط  و٢٤ تموز و٢٩ ايار  و ٦ حزيران من كل سنة.

في خلال عملية بناء الكابيلا الحديثة  عام ٢٠٠٥ تم العثور  في باحة الكاتدرائية الحالية على اثار كنيسة قديمة  تعود الى القرن الاول الميلادي . لم يكن هذا الاكتشاف امرا مفاجئا  ، لا بل كان متوقعا اذ ان كتاب اعمال الرسل يذكر وجود جماعة مسيحية زارها القديس بولس سنة ٥٧ .م  ، خلال رحلته من اليونان الى فلسطين مرورا بقبرس . وقد اقام الرسول بولس ومرافقوه في صور مدة اسبوع بين هؤلاء المسيحيين الاولين. ومن المعروف تاريخيا ان صور كانت قد شهدت في مطلع القر ن الرابع بناء افخم كنيسة في الشرق وقد اعيد بناؤها عام ٣١٦ بعد ان تعرضت للهدم على يد الامبرلطور ديوقليسيانوس . ترك لنا المؤرخ حوشب القيصري مؤسس التاريخ المسيحي وصديق الامبراطور قسطنطين الكبير عظة شهيرة القاها في  مناسبة أعادة افتتاح  الكنيسة التي كانت مكرسة للسيدة العذراء ، في حضور ممثل الامبراطور وحضور مطران المدينة باولينوس الذائع الصيت .

بعد تحقيق  اكتشاف هذا الاثر الثمين  اوضح المطران  الحاج انه  كان لا بد للمطرانية من الاتصال  بمديرية الاثار اللبنانية للتنسيق معها و”ترتيب المكتشفات على شكل كنيسة، ولكي يصبح الموقع مهيئا لاستقبال الزئرين:” اضفنا الى المكونات اليونانية والرومانية مكونات حضارية جديدة بطريقة بسيطة ومميزة لنكون تحفة فنية صغيرة تمثل ما اسميناه كابيلا والتي لا بد لزائرها ان ينبهر بتناسقها وجمالها” ،

وقد حرص المهندسون على حفظ جمالية الموقع الاثري  وتناسقه مع الاضافات  الهندسية والفنية الجديدة . اضاف سيادته :ان المشرفين على اعمال الترميم قاموا باكمال بناء الجدران ليبلغ طولها خمسة امتار متعمّدين اظهار الفارق بين الجدار القديم والجدار الجديد. وكذلك بالنسبة للسقف. الى هذا الاطار الذي جمع بين القديم والجديد تم تزيين الجدران بايكونوستاز اي كادر خشبي جميل يضم  ايقونات  تمثل الشهداء القديسين الذين جيء بقليل من ذخائرهم من روما ، بعد ان كانت قد نقلت اليها في ظل الاحتلال الفرنجي بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر. فوضعت الذخائر في ” آنية مخصصة”  لها ، وفي داخل اطار خشبي يليق بمحفوظاته ويدعو الزائرين  الى الخشوع واحترام  قدسية  المكان ..”.
ينقسم الموقع الى جناحين : روماني ويوناني . في وسط الجناح الروماني هناك مذبح لاقامة القداس  ومدفن يحمل منحوتة تمثل اعجوبة احياء المسيح للعازر واقامته من بين الاموات. اما الجناح  اليوناني من الموقع فقد غطيت ارضيته بفسيفساء تحمل الطابع القديم. من الجدير بالذكر أيضا أن منحوتات تمثل رموزا مسيحية ومشاهد من حياة السيد المسيح ومنها  زيارته الى صور وعرس قانا الجليل والتجلي وزيارة القديس بولس الى صورتستقبل الزائر عند مدخل الكنيسة وباحتها الرئيسية.

المطران شكرالله الحاج يرى  ان الكنيسة المكتشفة هي  بيزنطية الطابع  ( بين ٣١٤ و ٦٠٠) وهي الى كونها مكانا للصلاة يجب ان تكون ايضا  مكانا يذكّرنا  بالتاريخ العريق الذي عرفته مدينة صور ، “مهد المسيحية الاولى في لبنان”، حيث ازدهرت الكنيسة وتعرضت للاضطهاد . فكان من ابنائها او المقيمين فيها شهداء كثيرون منهم الخمسماية الذين تحيي الكنيسة المارونية ذكراهم في ١٩ شباط . ومن اشهر هؤلاء كريستينا ابنة والي صور الروماني وثيودوسيا وديروتاوس الاسقف.الى هؤلاء  اضيفت ايضا ذخائر شهداء موارنة من القرن التاسع عشر تاكيدا من راعي الابرشية على استمرار الشهادة بين القديم والحديث.

عن الهدف من اقامة هذا المقام في وقتنا الحاضر ، وفيما يشهد الوجود المسيحي تراجعا مقلقا ليس في صور وجنوب لبنان فحسب بل في المشرق المسيحي بكامله ، يقول المطران شكرالله : ” اردنا ان نجعلهم ( الشهداء ) معنا ونجعل مثلهم حافزا الى الايمان العميق والحقيقي الذي يدفعنا الى اعطاء قلبنا لله وان نشهد للقيم الروحية التي هي قيم المحبة والطهارة التي عودونا عليها” .

ج. ت. خ
نقلاً عن مجلة شؤون جنوبية التي ألقت اضواء على الاثار المسيحية الجنوبية في قرونها الاولى
احياء ذكرى  الشهداء المسيحيين  قديما وحديثا

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share