كرامة الإنسان من كرامة الله
الكاتدرائية المريمية، دمشق، 2002
«المسيح قام»، أيها الأحباء. في هذا اليوم المجيد أود قبل كل شيء إن أبعث بتهاني وتمنياتي إلى جميع الذين هم في سوريا وفي لبنان متمنياً لهم أن تكون في أيامهم أوقات يبتهجون فيها بالرب، خصوصاً لأننا في هذه المنطقة من الأرض نبتهج بأن الرب خرج من عندنا. وألتفت إلى جماعتنا التي في القدس وفي فلسطين حيث هناك حصلت قيامة الرب بعد ولادته وبعدما قضى سني عمره في البشارة هنا وليس في أي مكان آخر. ومن المفيد أن اذكر أن ربنا داس تراب لبنان، ويقول الكتاب إنه وصل إلى صور وصيدا.
ويجدر بنا أن لا ننسى أن بولس الرسول، هنا في دمشق، اهتدى إلى الإيمان المسيحي، وهنا سمع القول السماوي: كفاك إتعاباً للجماعات هنا، وكفاك مقاومة للمسيح ومحاولة منعه من دخول قلوب الناس، وكفاك إهانة لأولئك الذين يعترفون بالمسيح رباً والهاً لهم.
قبل أن تهتدي كنت تقول إن الإله الذي تعترفون به ليس هو الهي لان إلهكم يتكلم بالمحبة أما إلهي فيقول لي: اذهب واقتل واذبح كل من لا يؤمن إيمانك. في دمشق حصل الانقلاب وما تبعه،كما حصلت الولادة الإلهية في بيت لحم، وكما حصل الصلب في أورشليم بل قريباً منها. كذلك انقلب لسان بولس الرسول من لسانٍ مبشّرٍ بالقتل، مبشّرٍ بالعنفوان الوحشي، مبشرٍ بتحريض الناس على الناس الآخرين بسبب عقائدهم. هنا انقلب ذلك اللسان إلى لسان ينطق بالمحبة ويقول للناس إنه لا يجوز أن يبقى أي بشري غريباً عن الآخر.
وكما سمعتم في الترتيل “اليوم يوم القيامة” يجب – كما تقول الترنيمة – أن نتعلم أن نخاطب الناس اليوم كائناً من كان الذي نخاطبه بالقول يا أخي, وان يبدأ التفكير بأخوّة الناس لا في خصوماتهم. وقد قلنا في مناسبات مهمة جداً إن كل من يستخدم الدين لكي يستبيح كرامة الناس ويستبيح عائلاتهم وأولادهم; كل من يفعل ذلك باسم الدين يكون اكبر مسيء للدين كائناً ما كان دينه.
نحن هنا تعلمنا أن إلهنا واحد أحد، وكفى ظنوناً بنا أننا نقول غير هذا القول: “الله لم يره أحد قط” سمعتم هذا القول في الإنجيل المقدس , والله واحد أحد وليس ثلاثة آلهة كما ظن البعض. وعندما نتكلم بالأقانيم، فإننا نقول إن الجوهر واحد. الأقانيم غير منفصلة، وعندما تفصل الأقنوم عن الأقنوم الآخرفإنك بذلك تقسم الإله، وإلهنا ليس أجزاءً ولكنه واحد. “أؤمن باله واحد” “باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد”. فإذا تغاضينا عن شيء في هذه الجملة، نكون قد قطّعنا الحقيقة التي نؤمن بها.
هذا، أيها الأحباء، نقول به لكي نصل إلى أن الله الواحد هو الخالق الواحد الأوحد. ومعنى ذلك أن كل إنسان هو خليقة الله وليس من إنسان على وجه الأرض،كبيراً كان أم صغيراً، متعلماً أم أمياً، ليس هو خليقة لله الواحد الأحد ولذلك فوا جبك واحد تجاه كل إنسان وبدون استثناء. إن الذي ينكر على الناس الكرامة إنما ينكر على الله أنه خلق إنساناً للكرامة وليس لكي لا يكرم. لماذا نحن نشكو من أنفسنا ومن خطايانا؟ بالضبط لأنها ضد كرامة الناس ولأنها ضد محبة الناس. لماذا نشكو مما يحصل في فلسطين عندما نرى الشاب يموت ونرى المرأة تقتل والطفل يستشهد؟ ذلك لإيماننا الراسخ بأن ذلك الشاب وتلك المرأة والطفل إنما خلقوا للعيش الكريم وليس ليموتوا على يد فلان وفلان من البشر. نحن لا ننصّب إنساناً إلهاً على إنسان آخر ولو كان أحدهما ضعيفاً لا يملك القوة والبأس لكي يقاتل ويقاوم فيما الآخر يملك كل قوى الأرض، ولكننا لا نركع له ولا نسجد له.
أيها الأحباء، يعيب علينا البعض أننا دائماً مع المظلوم ومع الضعيف، الضعيف في القتال وليس الضعيف في الفضيلة. نحن نعتقد أن القوي بغير الحق، بغير العدل، بغير الاحترام للآخرين، هذا القوي هو ضعيف وضعيف إلى أقصى الحدود. يقولون لنا: لماذا يكون غيرنا قوياً بطريقة مختلفة عن قوتنا؟ فنقول وهل أصبح من العيب ألا يريد الإنسان أن يكون مفترساً وألا يريد أن يكون قاسياً, قهرياً,كارهاً للآخر؟ نحن نعتقد أن العيب يلحق الإنسان الذي لا يجد حديثاً مع الآخر إلا حديث القوة والقهر والانتقام والقتل والإهانة. وعندما نلتفت في هذا العيد إلى أخوتنا في فلسطين، نفكر في هذا ونطرح أسئلتنا التي سمعنا على العالم بأسره لعل العالم يفهم. في هذا الصباح، ألتفت أيضاً إلى إخوتنا المطارنة الذين يرعون شعبنا – وما أعز شعبنا على قلوبنا – ألتفت إليهم لأنهم في هذا اليوم يقولون لشعبنا: “المسيح قام” ويرددون ذلك حيثما وجدوا، وهم موجودون هنا وفي كل أقاصي الأرض: في أميركا، في أوروبا، في اوستراليا .حيثما وجد إخوة لكم، فهم يقولون اليوم: “المسيح قام”.
أيها الأحباء! أليست قيامة المسيح خلقةً جديدة للكائن البشري العائش في ضعفه وفي حيوانيته في كثير من الأحيان؟ بعد القيامة لا يتقاتل الناس، وبعد القيامة لا يتذابحون. ونحن نتطلع إلى اليوم الذي يكون فيه عدل الله على الأرض العدل الوحيد. نسأل الله أن يوحي لكل ذوي الأمر في كل مكان ألا يكتفوا بالترقيع، فالأمور تصطلح فقط إذا كان الإنسان الذي وراءها إنساناً صالحاً. بدون ذلك ماذا نرجو؟. أيها الأحباء! عيدنا عيد خِلقة جديدة لعله يكون فينا أولاً ومن ثم في كل واحد آخر.
وأعرف أننا اليوم قد ننسى أولئك الذين استشهدوا. أيها الأحباء! كلنا سنموت، ولكن هنالك أناسا يموتون من أجل شيء يخصك أنت، وهم يعرفون جيداً أنه يجب عليهم أن يدفعوا الثمن لا أن يصيبوا ربحاً نتيجة عملهم. وعندنا الكثير من أولئك.
دياناتنا في هذه المنطقة قامت على أناس يموتون من أجل الإيمان الحقيقي، وكما نقول: “من أجل المسيح يموتون وبالفعل هم يموتون وكأنهم يقولون لنا إنهم رافضون للشر في كل مكان وبأية طريقة.
أيها الأحباء! فليرحمنا الله تعالى في عالم نحن لا نستحق فيه أكثر مما نفعل. فليساعدنا الله لكي نتمكن من تحويل عالمنا عالماً يستحق أن يحيا فيه الإنسان. وهذا يكون بصوت واحد: “المسيح قام”.