الإنسان صانع معجزات

mjoa Wednesday May 9, 2012 177

الله قادر على كلّ شيء، فلا عجب أن يجترح المعجزات. هو ليس في حاجة إلى تقديم براهين أو دلائل تؤكّد قوّته الفائقة. هو، بداهةً، لا يكون إلهًا إن عجز عن صنع المعجزات. لذلك، المعجزات لا أهمية لها في ذاتها، بل في ثمارها. التوبة إلى الله، أي العودة إليه، هي الغاية الوحيدة التي يريد الله من الإنسان أن يسعى إليها. والأمر سيّان إن كانت التوبة حصلت بفضل المعجزات أو من دونها.

عندما أتى الناس بمخلّع إلى يسوع كي يشفيه لم يشفه توّاً، بل بادر إلى التوجّه إليه بالقول: “يا بنيّ مغفورة لك خطاياك”، ثمّ لـمّا رأى استهجان علماء الشريعة لقوله هذا، لأنّ لله وحده يعود سلطان مغفرة الخطايا، حينئذ قال للمخلّع: “قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك”، فقام وحمل سريره ومشى (إنجيل مرقس 2، 1-12). هذه الحادثة تشير إلى أنّ الأولويّة لدى يسوع ليست لشفاء الإنسان من أمراض الجسد، بل لشفائه من أمراض الخطيئة. فالموت الجسديّ من جرّاء المرض لا ينهي حياة الإنسان، بينما الخطيئة تهلكه إلى الأبد.

وبعدما شفى يسوع مخلّعاً ثانياً، نبّهه قائلاً: “ها قد عوفيت فلا تعد تخطئ لئلاّ يصيبك أشرّ” (إنجيل يوحنّا 5، 1-14). الأشرّ هو الذي ينجم عن الخطيئة، وهو أكثر ضرراً من عاهات الجسد. العبرة الأساسيّة من هذا القول هو أنّ مرض الخطيئة أكثر خبثاً من الأمراض كلّها. فبالموت يستحيل الإنسان تراباً، والأعضاء التي تُشفى، من جرّاء المعجزات أو الطبّ، تُشفى إلى حين وليس إلى الأبد، غير أنّ الشفاء من الخطيئة، بالنسبة إلى المؤمنين، يبقى ويدوم إلى الحياة الخالدة.

الله قادر على كلّ شيء، لكنّه لا يُجبر الإنسان على فعل شيء لا يرغب في القيام به. فهو خلق الإنسان حراً عاقلاً ناطقاً وفق ما أجمع عليه التراث الكنسيّ. والإنسان يصنع الخير ويصنع الشرّ بحرّيّته. والله يشاء من كلّ إنسان أن يأتي إليه بكامل إرادته واختياره. والإنسان قادر، بما وهبه الله إيّاه من العقل والقلب وحرّيّة الاختيار، على صنع المعجزات. أليس، مثلاً، صعود الإنسان إلى القمر، وعالم الاتّصالات والمعلوماتيّة، واكتشاف الأدوية والعقاقير الطبّيّة وإطالة عمر الإنسان… أنواعًا من المعجزات، وبخاصّة إذا تمّت مقارنتها بما كان يحدث منذ عقود من السنين.

غير أنّ المعجزة الأهمّ التي يستطيع كلّ كائن بشريّ أن يصنعها هي، بلا شكّ، انتقاله من حالة الخطيئة إلى حالة التوبة، وهذا أعظم من انتقال جبل من مكان إلى آخر. فزكّا، رئيس الجباة، بعد توبته قال ليسوع: “هاءنذا يا ربّ أعطي المساكين نصف أموالي. وإن كنت قد ظلمت أحدًا في شيء أردّه عليه أربعة أضعاف”، فقال له يسوع: “اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت” (إنجيل لوقا 19، 1-10). التوبة جزاؤها الخلاص الأبديّ، فيما شفاء الجسد يقتصر على هذه الحياة الدنيا. التوبة معجزة ثمارها أغلى بكثير من ثمار معجزة تقتصر على الشفاء الجسديّ.

لسنا في صدد المقارنة ما بين شفاء الروح وشفاء الجسد، ففي شفاء الجسد رحمة للإنسان ومحبّة عظمى. لكنّ المرتجى من الإنسان ألاّ يهمل توبته، وأن يسعى كلّ حياته إلى التطهّر من أدران الخطيئة. هكذا يصبح صانع معجزات، وشريكاً لله في الحياة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share