مقدمة كتاب “المقومات النفسية”

mjoa Friday September 26, 2008 203

لن أتناول موضوع التربية الدينية للطفل في الأسرة، كما قد يُنتظر، من زاوية التربية الدينية بالمعنى المباشر والمحدد لهذه العبارة، أي بمعنى وسائل التربية المسيحية للطفل في الأسرة ومضمونها، إنما، إنطلاقًا منن اختصاصي السيكولوجي وفي خطّ بحث شغلني ردحًا طويلاً من الزمن وتركز حول “الصور الوالدية والمواقف الدينية”، سوف أسعى أن أعالج كيف يمكن للعائلة أن توقظ عند الطفل أفضل البنى النفسية التي تساعده على اقتبال إعلان إله يسوع المسيح في العمق دون زيف أو تشويه. ذلك أن الإعلان الإلهي لا يُقذف في ما يشبه الوعاء الفارغ أو يُسجل على ما يشبه الورقة البيضاء، إنما يتفاعل مع الإنسان الحيّ وما يحمله هذا الإنسان من بنى نفسية تتفاوت قابليتها للإعلان الإلهي وتختلف مطواعيتها لحقيقته المحيية. فقد تناغم هذه البنى معه مفسحة بذلك المجال أمام تسربه إلى أعماق النفس وانطباع الكيان به في الصميم، أو تثير بالعكس العوائق في وجهه بحيث يصبح قبوله أمرًا عسيرًا أو أنه، إذا قُبل على صعيد العقل، لا يتسنى له أن يبلغ أعماق الشعور، فيحصل انفصام بين ما يعتقد به المرء وبين ما يختبره على صعيد إحساسه الراهن، مما يهدد الإيمان بالعقم أو التمزق والمواقف النابعة منه بالسطحية أو التأرجح أو التناقض أو الإنحراف.

.

 

من هنا أهمية ما يسمى اليوم بالتمهيد للتربية الدينة (Pré-Catéchèse). فكما أن مهمة يوحنا السابق كانت أن “يعدّ طريق الرب ويجعل سبله مستقيمة” (متى 3: 3) كذلك ينبغي إعداد البنى النفسية بحيث تصبح أكثر مطواعية للتربية المسيحية مما يساعد هذه الأخيرة على بلوغ غرضها في تنشئة لا اعتقاد مستقيم فحسب، بل خبرة معاشة تحرك الكيان كله وتعمّده كله بالنور.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share