باسم الآب والابن والروح القدس. الإله الواحد. آمين.
إنجيل اليوم يبتدئ بأن يسوع كان على الجبل وأتى إليه جموعٌ. من المهم أن نعرف في هذا النص بالذات لماذا كان يسوع على الجبل؟ يسوع سمع بأن يوحنا المعمدان قد قُتل، أمرٌ محزنٌ، حدثٌ مؤسفٌ، من أكبر أحداث التاريخ حزناً.
تألم يسوع كيف أن البريء الطاهر القدوس يُقتل وكيف أن هنالك مجرمون باقون يعبثون بالحياة والوجود وبحياة الناس، فصعد إلى الجبل، كان يحتاج إلى وحدة يختلي فيها مع ذاته، يلتقي خلالها مع ربه. دائماً الأحداث التي تتطلب من الإنسان أن يكون متأملاً بمجريات تحدث لحياتنا أو لغيرنا من البشر علينا ألا نبقى لدى تأملنا إيّاها وسط اضطراب العالم، علينا أن ننسحب منه وأن نجلس مع ذاتنا لننظر، لنرى، كيف أن هنالك شيء خاطئ في هذه الدنيا، وما هي مسؤوليتنا تجاهه.
ما أن اختلى يسوع مع ذاته وبدأ بمناجاة ربه؛ بدأ بمناجاة أبيه؛ إلهه الذي هو إلهنا كلنا. ما أن حدث هذا حتى وجد بأن خلوته تلك لم تعد مفيدة، لأن حدثاً ثانياً قد جرى وهي أن شعباً كثيراً قد سمع بأن يسوع وحده على الجبل. فذهبوا إليه لكي يسمعوا منه الكلام الذي هم بحاجة إليه؛ نحن دائماً بحاجة لنسمع يسوع؛ الكنيسة حاضرةٌ عندنا والإنجيل بين أيدينا ولم يبقى هنالك إلا النية والإرادة لكي يتحقق هذا الأمر المفيد.
وما أن رأى يسوع أن خلوته تلك قد انتهت ليكون بديلاً عنها شيء آخر رضي يسوع به، يسوع لمحبته يتخلى عن برامجه من أجل الآخرين، فنظر إلى هذا الشعب الكثير العدد؛ ربما كلهم فارُّون من وجه عدالة هي بلا عدالة لأنها قد حكمت بالموت على ذلك البريء يوحنا المعمدان. نظر يسوع إلى تلك الجموع وحدّثهم طويلاً، ومال النهار إلى المساء فتحنن على كلِّ واحدٍ منهم وتحدَّث وتلاميذه على ضرورة إطعامهم.
سأل تلاميذه:كيف بإمكانكم أن تؤمِّنوا الطعام لمثل هذا العدد، أجابوا: هذا مستحيل. لذلك يجب أن تأمر الشعب أن يذهب إلى القرى المجاورة ليشتري الطعام. هذه لغتنا البشرية لكن لغة الله تختلف عنها فأجاب يسوع وقال ماذا يوجد عندكم من طعام؟ فقالوا: خمسة أرغفة وسمكتان. قال أتوني بهذا الطعام الموجود. يسوع نظر إلى السماء وصلى وبارك على الطعام وبدأ يكسر الخبز والسمك ويعطي التلاميذ، والتلاميذ توزع إلى تلك الجموع. أكلت الجموع وكان عدد الرجال الموجودين خمسة آلاف ما عدا النساء والأطفال.
مهم أن نتأمل في هذا النص، في ذلك الحدث التاريخي، في ذلك العمل العجائبي المنبعث من قلب رحوم من إلهٍ ينظر إلى شعبه، يحب هذا الشعب يريد أن يكون مسروراً حاصلاً على كل احتياجاته.
هكذا هو ربنا وإلهنا!! علينا أن نرتبط به، علينا أن نفكر بتفكيره هو، وليس بتفكيرنا نحن، علينا أن ننظر إلى الأمور نظرة إلهية، أي نتخلى عن المقاييس التي تشغلنا؛ أمور الدنيا تشغلنا. نتحدث ساعاتٍ وساعات بأمورٍ تافهة واسم الله لا يأتي على لساننا. أمام مثل تلك الساعات الطويلة فكرنا منشغلٌ بأمورٍ كثيرة و الله بعيد عن هذا الفكر الذي لا يحتاج إلا إلى الله، إلا إلى يسوع، إلا إلى الروح القدس، إلا إلى النعمة التي نحن بحاجة لنقتنيها، لنحيا بغناها، لنتصرف بموجب أحكامها.
فلنترك تفاهات هذه الدنيا، ربما بعض من الأمور غير ذلك ولكن أيضا علينا أن لا نهتم بها كل حدثٍ زائلٍ يجب أن لا يشغل فكرنا وبالنا، وكل حدث أبدي يجب أن يكون موضع اهتمامنا. الله أبدي، الحياة الروحية أبدية، شؤون الكنيسة والعبادة والصلاة كلها تحمل الأبدية لتربطنا بالله، لكي نكون بأبديته عائشون.
من خلال هذا التغير المطلوب علينا أن نبرمج حياتنا ومن لم يبتدئ فليبتدئ بتلك البرمجة الجديدة التي يجب أن يكون محورها الله بروحانيته، وأن يكون المسيح حاضرٌ في وسطنا ونحن ملتفون حوله.
ونعمته فلتصحبكم الآن ودائماً. آمين.