ثمة ورشة عمل مستمرة وغير معلنة تضم جمعيات وهيئات وروابط أرثوذكسية شمالية، تناقش كيفية الحفاظ على الحضور السياسي والمجتمعي الأرثوذكسي في صلب النسيج الاجتماعي الشمالي، بما يتماشى مع النظرة الانفتاحية التاريخية التي لطالما تميزت بها هذه الطائفة والتي «تتعارض اليوم جملة وتفصيلا مع القانون الانتخابي المقترح من قبل اللقاء الأرثوذكسي» على حد تعبير أحد العلمانيين.
ويشكل الأرثوذكس في الشمال أكثر من 40 في المئة من مجموع الأرثوذكس في لبنان، ولهذه المنطقة ستة نواب من أصل 14 نائبا أرثوذكسيا على مستوى لبنان ككل، ثلاثة في قضاء الكورة ذي الأغلبية الأرثوذكسية، اثنان في عكار وواحد في مدينة طرابلس.
وتتداول الأوساط الأرثوذكسية في الشمال، «بأن أكثرية أبناء الطائفة لم ترفض اقتراح إنشاء الهيئة المدنية على طاولة المجمع الانطاكي المقدس في البلمند قبل عشرة أيام، لتقبل بقانون انتخابي يحاصر أبناء الطائفة ويقطع علاقاتهم بنواب المدن من الطوائف الأخرى».
وتلفت هذه الأوساط النظر الى أن أول من اقترح هذا القانون هو النائب الراحل إدمون نعيم بعد انتخابات العام 1992 والتي شهدت مقاطعة مسيحية شبه تامة، وقد تعرض نعيم في حينها لهجوم عنيف من مختلف الجهات السياسية اللبنانية على خلفية هذا الطرح «الذي لا يعيد اللبنانيين الى الستينيات كما هي الحال مع «قانون الستين» بل الى القرون الوسطى».
وتشير هذه الأوساط الى أن «اللقــاء الأرثوذكسي» أعاد طرح هذا القانون بعدما أدخل عليه بعض التعديلات لكنه برأيها يبقى قاصرا عن طموحات «مستقيمي الرأي» الذين لا يشعرون أنفــسهم أقلية حيث يقيمون، ويتطلعون دوما نحو الاندماج بمجتــمعاتهم على قاعدة أن الشأن العام «هو خدمة وطنية وليس خدمة حزبية أو دينية».
غنطوس: تحويل الأرثوذكس إلى «عثمانيين»
ويقدم نقيب المحامين الأسبق في الشمال فادي غنطوس مقاربة لمشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي»، فيؤكد أنه لا يشبه الأرثوذكس بتاتا، «لكنه ليس سبباً بل هو نتيجة لواقع طائفي ومذهبي سيئ».
ويرى غنطوس أن من يهاجم القانون من دون أن يطرح بديلا غير طائفي، يجامل ويسترضي محيطه، ويتعاطى كأهل ذمة إما للحفاظ على نيابته أو ليصل الى نيابة ليس لها تمثيل، مشددا على ضرورة إلغاء كل الأسباب التي دفعت «اللقاء الأرثوذكسي» الى طرح مثل هذا القانون الطائفي، متهماً القيمين على الطائفة دينياً بتحويل الأرثوذكس الى «عثمانيين» إن عبر «القانون الأرثوذكسي» أو عبر اقتراح إنشاء «الهيئة المدنية الأرثوذكسية» الذي سقط بإرادة البطريرك هزيم.
ويقول غنطوس لـ«السفير» إن القوانين الانتخابية في كل مرة تفصل بحسب مصالح الزعامات السياسية، من دون أن يعكس أي من هذه القوانين إرادة الناس بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم، سواء من حيث القانون أو الكادر المحيط به المتعلق بالمال والدعاية الانتخابية، لذلك نرى أن قانون «اللقاء الأرثوذكسي» هو نتاج طبيعي للحالة المرضية الطائفية التي يعيشها البلد، وقبل إدانة القانون الذي لا نوافق عليه، يجب إدانة الوضع القائم.
ويلفت غنطوس النظر الى أن السنة «تحولوا الى مذهب، في حين أنهم ينتمون الى أربعة مذاهب، وعندما تفقد المدن التي ينتشر فيها أبناء الطائفة السنية الثنائية التاريخية، ويتحول السنة الى الخطاب الطائفي والمذهبي، تشعر الأقليات بالإلغاء وعدم الفاعلية، فتتجه تلقائيا الى قوانين كهذه».
حيدر: كل طائفة «غيتو»
يقول المدير العام للمدارس الأرثوذكسية السابق شفيق حيدر انه فيما يسعى اللبنانيّون لاشتراع قانون انتخاب منصف يؤمن صحة تمثيل الطوائف جميعها، وبخاصة الجماعات المسيحية، طلع علينا «اللقاء الأرثوذكسي» باقتراح قانون ينتخب فيه أبناء كل طائفة النواب أبناء طائفتهم فقط. ويضيف أن الغاية مشروعة، لكن في سبيل إنصاف كل فئة من اللبنانيين، توسل «اللقاء» قانونا يجعل من كل طائفة «غيتو» مغلقا فيعود بنا الى جاهلية القبائل، إذ يشل، إلى حد كبير، تعامل المواطنين في ما بينهم، ويعطل حاجة واحدنا إلى الآخر، وهذا خطأ كبير.
ويرى حيدر أن مثل هذا القانون يظهر الكنيسة على غير حقيقتها، «ذلك أن مداها هو الكون وتنفتح على الناس كلهم، وتدك الحواجز بين أبنائها وغيرهم من المواطنين. فبدلا من تربية المؤمنين على الانصهار المجتمعي يأتينا هذا القانون المقترح ليذكي التقوقع ويشرع التباعد والتفرقة».
جان توما: ويل لأمة
ويقول الدكتور جان توما ان كل قانون لا يراعي المواطنية يضر بقيام الوطن، حيث أبناؤه يعيشون بعدالة وكرامة بحسب انتماء المواطن الى وطنه لا الى مذهبه وطائفته، ويل لأمة كثرت فيها قوانينها الطائفية، وقل فيها الانتماء الى الوطن، نعم للقانون الانتخابي الوطني الجامع، لا للتقسيمات الانتخابية المحاصصة طائقيا.
جورج رزق: قانون اللاشراكة
ويؤكد منسق «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات في الشمال» جورج رزق أن هذا القانون يتنافى مع كوننا مواطنين ننتمي الى وطن بغض النظر عن طائفتنا، والانتخاب هو فعل وطني ويجب أن نعبر من خلال الانتخابات عن وحدتنا مع الآخرين، متسائلا كيف يمكننا ان نتحدث عن الشراكة مع الآخر في ظل قانون كهذا، فحتى الأديان تدعونا الى الانفتاح والشراكة مع الآخر وليس الى الانغلاق والتقوقع.
حنا حنا: انها الفيدراليات
ويشير عضو «الهيئة الوطنية للاصلاح الانتخابي» حنا حنا الى أن هذا القانون هدفه الفرز الطائفي، ونحن نريد أن نتقدم ونوحد الناس وهم يعيدوننا الى زمن الجاهلية، مؤكدا أن هذا القانون يهدف الى إنشاء «فيدراليات» وهذا ضد الطبيعة والواقع قبل أن يكون ضد مصالح الناس، ونحن نسعى لطرح القانون النسبي لأنه يؤمن عدالة التمثيل.
رفعت سابا: الأولوية للنسبية
ويؤكد رئيس «هيئة حماية البيئة والتراث في الكورة وجوارها» المهندس رفعت سابا ان «حقوق الطوائف تتحقق بقانون انتخاب يصهر الطوائف»، لافتا النظر الى ان طرح «اللقاء الارثوذكسي» يؤمن فرزا طائفيا واضحا وتكريسا له أكثر مما هو مكرس حاليا، رغم انه يمثل عدالة في تمثيل الطوائف تمثيلا صحيحا»، مشددا على ضرورة اعتماد النسبية.
وترفض مسؤولة لجنة حقوق المرأة في الكورة الكسندرا شماس أي قانون يؤدي الى الانغلاق، معربة عن تأييدها «الدائرة الواحدة» حيث ينتخب المواطن ممثليه من النواب عن كل لبنان.
ويجد رئيس «مجلس انماء الكورة» المهندس جورج جحا أن هناك «انعزالية جغرافية في طرح «اللقاء الارثوذكسي»، فيما المطلوب اليوم الانفتاح مع تأييد النسبية شرط تطبيقها بالشكل الصحيح».
وتعبر رئيسة «تجمع النهضة النسائية» في الكورة آفا شماس عن رفضها «لأي قانون يؤمن التمثيل الطائفي من منطلق ان النائب هو ممثل عن الامة وليس ممثلا للطوائف».