في النصف الأوّل من القرن العشرين ومع احتضار الدولة العثمانيّة وأفولها، كانت الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة تجاهد للخروج من الانحطاط الفكريّ والدينيّ والروحيّ الذي كان يسيطر عليها. أمّا أسباب هذا الانحطاط فعديدة، أوّلها الانحطاط الذي عمّ في الدولة العثمانيّة والذي لا يمكن أحدًا أن ينكر تأثيره على كلّ الجماعات الدينيّة القاطنة في أراضي هذه الدولة. بيد…
ليس مستغربًا أن يفرض تنظيم “داعش” أحكام أهل الذمّة على أبناء الرقّة المسيحيّين. وليس مستغربًا أيضًا أنّ ما قام به هذا التنظيم قد لاقى استهجان معظم المسلمين. فـ”داعش” أعادت إلى الحياة نظامًا كان معمولاً به في حقب تاريخيّة عديدة، وله مسوّغاته في الفقه الإسلاميّ الذي لا يقرّ، قديمًا وراهنًا، بالمساواة في الحقوق والواجبات ما بين…
“أنا الطريق والحقّ والحياة” (يوحنّا 14، 6) يقول السيّد المسيح. والمسيحيّ يفهم هذا القول التزامًا محقَّقًا في “الآن وهنا”، حيث يوجد ويتنفّس ويتحرّك. أن يكون المسيح هو الطريق يعني أن ينهج المسيحيّ نهج معلّمه، أي المضي في الحبّ إلى أقصاه، إلى حدّ بذل الذات من أجل الآخر، إذ “إنّ العبد ليس أفضلَ من سيّده”. أن…
احتفل المسيحيّون، الأسبوع الماضي، بـ”أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين” عبر نشاطات عدّة تحلّقوا فيها حول الدعاء من أجل ترميم الوحدة المنشودة، تنفيذًا لمشيئة الربّ بأن يكونوا واحدًا كما أنّ الثالوث الأقدس واحد. هذه المناسبة السنويّة طغت عليها، هذه السنة، الهواجس التي يحياها المسيحيّون في ظلّ الظروف القاسية التي تمرّ فيها سوريا، حيث يدفع المسيحيّون…
لا يكفي أن يكون الإنسان ذا عقيدة صحيحة كي يكون صاحب إيمان صحيح. فالعقيدة إنْ لم يمارسها صاحبها في حياته اليوميّة تصبح مجرّد نظريّة غير قابلة للممارسة، ميتة لا تنفعه شيئًا. الإيمان الصحيح يفترض حياة متناغمة مع العقيدة، لا انفصالاً حادًّا بينهما. الهرطقة أو الضلالة، إذًا، لا تنشأ من انحراف عقائديّ وحسب، بل تنجم عن…
رحل كوستي بندلي. رحل اللاهوتيّ الذي لم يحز شهادة في اللاهوت متفوّقًا على الكثيرين ممّن حازوا درجات عليا في اللاهوت الأكاديميّ. وإذا كانت سائدة في التراث الأثوذكسيّ مقولة “اللاهوتيّ الحقّ هو الذي يصلّي”، يسعنا أن نقول، آخذين كوستي بندلي عبرةً، “اللاهوتيّ الحقّ هو مَن يحيا الإنجيل، بما فيه الصلاة، مقتديًّا بالمسيح يسوع في كلّ شيء”.…
عندما استلمتُ أوّل إخراج قيد لابنتي البكر، ابتسمتُ متسائلاً لماذا دوّن في خانة المذهب: “روم أرثوذكس”، وهي لم تكن بعد قد نالت سرّ المعموديّة الذي وحده يجعلها تنتمي رسميًّا إلى كنيسة الروم الأرثوذكس؟ أنا، الملتزم بكنيسته، والمقبل إلى الكهنوت آنذاك، استهجنتُ هذا الأمر معتبرًا أنّ الدولة، بقوانينها، وبتواطؤ من القادة الدينيّين، تنتهك خصوصيّة الإيمان، وتجعله…
حين قتل قايين (قابيل في التراث الإسلاميّ) أخاه هابيل، قال له الله: “صوتُ دم أخيك يصرخ إليّ من الأرض. والآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فمها لتقبل دم أخيك من يدك… طريدًا شريدًا تكون في الأرض” (سِفر التكوين 4، 10-12). اللافت هنا أنّ الله لم يقل: “صوت أخيك يصرخ إليّ…”، بل قال: “صوت دم…
عندما خلق الله الإنسان، ذكرًا وأنثى، ميّزه عن سائر المخلوقات وفضّله عليها كلّها بأمرين اثنين: طريقة الخلق، والنفخ فيه من روحه. يخبرنا سفر التكوين في روايته الأولى عن الخلق بأنّ الله قال: “لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا (…) فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم” (1، 26-27). لكنّه عندما خلق…