لو رغبت يومًا في زرع فتنة داخليّة لا تبقي ولا تذر، فدونك العصبيّات والغرائز تثيرها وتغذّيها باسم قيم ومثل عليا. ولا ريب في أنّ أسهل العصبيّات إلى التحشيد ولمّ شمل الدهماء في مواجهة الأعداء إنّما هي العصبيّات الطائفيّة. ولو شئت فتيلاً سهل الاشتعال، قابلاً أن يندلع في أيّ زمن معقول أو غير معقول، فالطائفيّة أحسن…
تبنّى المسيحيّون في سوريا، أو معظمهم، طيلة القرنين الماضيين، الطروحات العلمانيّة في سبيل إنهاض وطنهم وقيام الدولة المدنيّة، دولة المواطنة التي تسودها المساواة التامّة، ويتمّ فيها فصل الدين عن الدولة فصلاً تامًّا. وتجلّت هذه الطروحات في التزام العديد من المسيحيّين الأحزاب ذات الطابع الوطنيّ أو القوميّ أو الأمميّ، حتّى أنّ معظم هذه الأحزاب أسّسها، أو…
يصف المتصوّف الكبير محيي الدين ابن عربي (ت 1240) بعض المتصوّفة المسلمين بالعيسويّين، مريدًا بذلك أن يعقد بينهم وبين السيّد المسيح صلةً وثقى تماثل تلك العلاقة التي تجمع ما بين المريدين وشيخهم المعلّم. فقد رأى ابن عربي في تقليد بعض المتصوّفة للمسيح ما يجعلهم يستحقّون أن يُنسبوا إليه وأن يسمّوا باسمه. يقول ابن عربي عن…
يطلّ علينا “إعلان مراكش لحقوق الأقلّيّات الدينيّة في العالم الإسلاميّ” علامةً مضيئة على درب الاعتراف بالمواطنة التامّة للأقلّيّات الدينيّة في المجتمعات الإسلاميّة. لن نتوقّف عند اعتراضنا على استعمال لفظ “الأقلّيّات الدينيّة” لتمييزه بين المواطنين على أساس دينيّ أو مذهبيّ، بل سنتجاوز اعتراضنا هذا إذا كان القصد من استعمال اللفظ التوصيف فقط. أتى هذا الإعلان نتيجة…
احتفلت الكنائس المسيحيّة هذا الأسبوع بـ”الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين”. وقد باتت هذه الاحتفالات تقليدًا سنويًّا يصلّي فيه المسيحيّون كافّة من أجل ترميم الوحدة المتصدّعة بفعل الانشقاقات المتتالية التي شهدتها الكنيسة عبر تاريخها منذ نشأتها إلى يومنا الحاضر. فما المقصود، كنسيًّا وإيمانيًّا، بعبارة “وحدة المسيحيّين”؟ يحدّد سفر أعمال الرسل وحدة المؤمنين بوضوح في هذه الآيات…
قانون الإيمان هو قانون العبادة. قانون العبادة هو قانون الإيمان. عبارتان توجزان نظرة الكنيسة إلى العلاقة ما بين الإيمان والعبادة، أو ما بين العقيدة والعبادة. فلا يجوز أن يكون ثمّة تناقض بين ما تؤمن به الكنيسة وما تقوله في عباداتها. وهذا الانسجام ما بين الأمرين نستشفّه في النصوص العباديّة، وبخاصّة في مواسم الأعياد الكبرى. اليوم،…
“إنّ المسيح لأجل محبّته اللامتناهية، قد صار مثلنا لكي يجعلنا مثله”. هذه العبارة التي قالها القدّيس إيريناوس أسقف ليون (+202)، وتبنّاها التراث الآبائيّ الكنسيّ، توجز كلّ الكلام اللاهوتيّ عن فعل تأنّس ابن الله. فهذه العبارة تحدّد الهدف الذي من أجلّه صار ابن الله، الإله الأزليّ، إنسانًا تامًّا، وهو أن يرتقي الإنسان إلى المثال الذي خلقه…
أيّ مسيح ننتظر؟ هذا السؤال يجدر بالمقبلين إلى الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، ميلاد المسيح بالجسد، أن يطرحوه على أنفسهم. أهو المسيح نفسه الذي ينتظره أهل العيد، أم لكلّ منهم مسيحه الخاصّ به، مسيحه الذي لا يشبه المسيح الأصليّ بشيء؟ كان أهل العهد القديم، قبل مجيء المسيح، ينتظرون مجيء المسيح المخلّص، الماسيّا الذي سيعلن بدء عهد…
ما صار ابن الله الكائن منذ الأزل إنسانًا، بل عبدًا، إلاّ لكي يموت على الصليب ويقوم في اليوم الثالث. وهذا ما يجمع عليه التراث اللاهوتيّ الأرثوذكسيّ بالاستناد إلى الكتاب المقدّس بعهديه العتيق والجديد. لذلك يظهر الطفل يسوع في أيقونة الميلاد ملفوفًا بالكفن، شأنه شأن الأموات، لا بالقماط كما يليق بكلّ طفل مولود جديد. والجدير بالذكر…