في الحوار الإسلاميّ – المسيحيّ

الأب جورج مسّوح Sunday April 30, 1995 162

تقول حركة الشّبيبة الأرثوذكسيّة في وثيقة “سياسة العمل المسكونيّ”، التي أقرّتها في مؤتمرها الثّالث عشر (1972): “ومن البديهي أنّ تقاربنا مع باقي المسيحيّين في بلادنا ليس هو ضد أحد بل يجب أن ينفتح على كلّ المؤمنين غير المسيحيّين للبدء بحوار جدّي عمليّ مع الإسلام وللتعاون معاً للنهوض بهذا البلد الذي نعيش فيه”.

هذا الإعلان يلخّص هاجس الحركة في الحوار مع المسلمين. فالحوار، أساساً، هو حوار الحياة الذي يسعى إلى بناء البلد لما فيه خير المواطنين كافة. وهذا يقوم على التزام قضايا الإنسان العادلة، التي ليست، في نهاية المطاف، سوى قضايانا نحن. فالقهر الإجتماعيّ، الذي يطال الفقراء، قضية مشتركة تدعونا إلى التأمّل والعمل، ذلك أنّ المستضعَفين واحد في وجه المسرفين. والله لن يرى في هؤلاء وأولئك إلّا إلى ما آتوه من أعمال لدحر الظّلم وإكرام الله في خلقه.

إنتبهت الحركة أيضاً إلى أن الحوار المسيحيّ – المسيحيّ يجب ألّا يكون موجّهاً ضد أحد، بخاصّة المسلمين، لهذا رفضت كلّ تكتّل طائفي قائمٍ لغاية التوازن ضد تكتّل طائفي آخر. فالعمل الوطنيّ يتمّ من خلال التعاون “مع المواطنين كلّهم على اختلاف انتماءاتهم الدينية” (وثيقة “في التزام شؤون الأرض”، 1970).

الحوار الإسلاميّ – المسيحيّ يفترض أنّ المحاورين في الجهتين مؤمنون وممارسون لعبادتهم وطقوسهم، ولهم حضور في مجتماعاتهم الدينية. هذا ما وعته الحركة عندما قالت في النصّ المذكور أعلاه: “كلّ المؤمنين غير المسيحيّين …”. من هنا ابتعدت الحركة عن الحوار “الطائفيّ” ببعده السياسيّ المحليّ المتقوقع، وأرادت أن ترتفع به من الحرتقات والحسابات القبلية إلى ما هو أسمى، وأعني به الإنسان، من حيث هو صورة الله.

الإنسان “صورة الله”، هذه هي سِمَتُه التي وسمه بها الله في الكتاب المقدّس وهكذا دعاه وهو يريده كمثاله. في القرآن، الإنسان “خليفة الله في الأرض” على حسب القول الوارد في سورة البقرة 30. هذا يعني أنّ الله جعل من الأنسان أفضل خلائقه وأقامه خادماً ليقرّب نفسه ونتاجه كفعل تسبيح بحمد الله وتقديس له. وأنّ الأمانة التي حمّلها الله للإنسان تفترض أيضاً أن يرى إلى الإنسان الآخر ، أيّاً كان انتماؤه، صورة لله ويساهم أن يجعل منه مكان حضوره. تالياً الهَمّ هو الإنسان.

إتمام مشيئة الله إلزاميّ بالنسبة إلينا، ذلك أنّه لنا في موضوع الحوار كلمة علينا إيصالها أيضاً. هذا يأتي من الروح النبوية التي أعطاها الله للكنيسة المجاهدة في العالم. أن يُنقل المسيح في كلمات جديدة أو أن يوقَظ من حيث إنّه “نائم في ليل الأديان الأخرى” يأتي من إخلاصنا للروح القدس ومحبّتنا خلاص العالم. نحن نعي أنّا إذا حاورنا فإنّنا قائمون أوّلاً في الشّهادة للربّ المتجسّد، وأنّ الشّهادة هذه لا تعطّل الحوار، ولكنّ الحوار بالأحرى يلتزم الشهادة الحقّة. قد يُفهَم النبيّ أو لا يُفهَم، يذهب هو وشهادته تبقى، لأنّ “كلمة إلهنا تبقى للأبد” (أشعيا 40: 8). هَمّ النبي أن يقول الحقيقة لكي يُعرف الله ويُحبّ بين الأمم. وإذا قلنا بالشّهادة وعينا أنّنا أحببنا الله حباً كاملاً وتُبنا إليه وأحببنا الآخر كنفسنا، فلا بدّ أن يثير هذا عند الآخرين إنطلاقة حوار داخليّ يساهم في لقاء حقيقيّ.

إنشاء معهد جديد يعنى بـ “الدراسات الإسلاميّة – المسيحيّة” في جامعة البلمند يدعو إلى التساؤل عن خصوصيّته، من جهة وجود معاهد أخرى في لبنان تتعاطى الموضوع عينه. الأرثوذكس عندهم ما يقولونه في هذا المجال، هذا يأتي من فرادة تاريخهم في المنطقة، عيشاً وقضايا مشتركة مع المسلمين، ومن فرادة التراث الذي يحملونه.

 

مجلة النور، العدد الثالث 1995، ص 97-98

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share