ما بال هذه البلاد لا تلبث أن تعود الحرب إليها ما إنْ تتوقّف؟
ما بال هذه البلاد تعبر فيها أسراب الطائرات المقاتلة كما تتعاقب أسراب الطيور المهاجرة تأتي بلادنا في مواسمها، فلا يمرّ موسم من دونها؟
ما بال هذه البلاد يموت أطفالها قتلاً كما تتساقط الحشرات بعد رشّها بالمبيدات؟
ما بال هذه البلاد تتهدّم منازل ناسها فيتيهون كحيوانات البرّيّة بحثًا عن سقف يأويهم، وطعام يكفيهم، وحنان يغدقه عليهم من بقي لديه حسّ إنسانيّ؟
ما بال هذه البلاد ابنها لا يساوي فلسًا في سوق النخاسة والعبيد، وهو أرخص من الكلاب والقطط المنعم عليها العيش في بلاد «الثمانية الكبار» و«الأمّة البارّة»؟
ما بال هذه البلاد لا يستأهل إنسانها المعذَّب دمعةً ممّن يتفاخر بأنّه ينتمي إلى «مجتمع دوليّ» راقٍ في كلّ شيء إلاّ في إنسانيّته؟
ما بال هذه البلاد يهلّل فيها أبناؤها لدفن السلام، ويرقصون لمرأى القتلى؟
ما بال هذه البلاد تصرّ على أن تدوم صحراء بيت ساكنها على ظهره مشرّدًا، نازحًا، مطرودًا، مهجّرًا، مهاجرًا، كافرًا بتراب أجداده وآبائه؟
ما بال هذه البلاد تلد فيها الأمّهات لا للتكاثر والتناسل، بل للتعويض فحسب عن أطفال قتلتهم آلات الحرب؟
ما بال هذه البلاد تبقى مختبرًا لأحدث الأسلحة، ومدى دقّتها في إصابة الأهداف، المدنيّة وغير المدنيّة، وقدرتها على التدمير؟
ما بال هذه البلاد يزداد فيها تمجيد الموت على حساب الحياة، والدم على حساب الروح، والسلاح على حساب الإنسان، والتخلّف على حساب التقدّم والازدهار؟
ما بال هذه البلاد، مهبط الوحي في ديانات عدّة، يغيَّب فيها اللَّه وأنبياؤه وكتبه المقدّسة وأبراره وقدّيسوه وأولياؤه؟
ما بال هذه البلاد، مهبط الوحي في ديانات عدّة، تحتلّ فيها الكراهيّة موقع المحبّة، والانتقام موقع الرحمة؟
ما بال هذه البلاد، مهبط الوحي في ديانات عدّة، يُستغلّ فيها الدين من أجل تسعير الحقد والضغينة، ويُقتل فيها الأبرياء باسم «الحقّ الإلهيّ»، وتُشنّ فيها الحروب على اسم الدين؟
ما بال هذه البلاد، مهبط الوحي في ديانات عدّة، تهبّ عليها رياح الأصوليّة، والعنصريّة، والاستعلاء، والاستكبار، والتمييز بين مخلوق أعلى ومخلوق أدنى؟
العراق، فلسطين، لبنان، مشاريع مفتوحة لمجازر وأضاحٍ وقرابين بشريّة تقدّم على مذابح الوثنيّة الجديدة الممثّلة بالعالم الحرّ وشعاراته الإنسانيّة. ليس العرب، وحدهم، البارعين في إطلاق الشعارات المفرّغة من مضامينها. الديمقراطيّة، حقوق الإنسان، الحرّيّة… لهم وحدهم. عندنا، لا بأس من غضّ النظر. شتاء وصيف على سطح واحد.
نيرون لم يمت. يبتسم للكاميرات. يمازح. يضحك. ينظر من شرفته على حرائق بلادنا كمَن ينظر إلى لعبة على حاسوبه. يسجّل أعداد الضحايا كمَن يسجّل الأهداف في الألعاب الرياضيّة حائزًا على الأرقام القياسيّة.
زعمت وزيرة خارجيّة دولة كبرى أنّها «تصلّي» من أجل السلام في لبنان.
سيّدتي، نحن لا نطلب صلاتك المزعومة. إنّها لا تنفعنا. نطلب أمرك. مُري أن تتوقّف الحرب. تتوقّف.
والسلام.
مجلة النور، العدد السادس 2006، ص 306-307