يفتخر الأمين العامّ لحزب الله السيّد حسن نصرالله، في خطابه لمناسبة عيد التحرير، بكونه “فردًا في حزب ولاية الفقيه”. وولاية الفقيه هو النظام الذي وضع أسسه آية الله الخميني، قائد الثورة الإسلاميّة في إيران، وتبنّته الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران في دستورها الجديد بعد انتصار الثورة عام 1979. لذلك نخشى أن يكون النموذج الذي يتوق حزب الله إلى تمثّله وتحقيقه في لبنان، على المستوى القريب أو البعيد، إنّما هو نموذج الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. وهل من معنى آخر لانتساب امرئ إلى “حزب ولاية الفقيه” غير هذا المعنى؟
تقوم نظريّة “ولاية الفقيه” في عهد الغيبة على عدم جواز بقاء الإسلام بعيدًا عن تنظيم شؤون الدولة. فالإمام الخميني في كتابه “الحكومة الإسلاميّة” يؤكّد ضرورة قيام حكومة إسلاميّة على الرغم “من عدم وجود نصّ على شخص مَن ينوب عن الإمام في حال غيبته”، بحسب قوله. أمّا هذا الفقيه الذي يتولّى أمر تشكيل الحكومة “فإنّه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبيّ، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا. ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول وأمير المؤمنين على ما يمتاز به الرسول والإمام من فضائل ومناقب خاصّة”. ثمّ يعيد الخميني التأكيد على هذه المسألة فيقول: “وقد فوّض الله الحكومة الإسلاميّة الفعليّة المفروض تشكيلها في زمن الغيبة نفس ما فوّضه إلى النبيّ وأمير المؤمنين من أمر الحكم والقضاء والفصل في المنازعات، وتعيين الولاة والعمّال، وجباية الخراج، وتعمير البلاد”. وينفي الخميني أن تكون “أهليّة الفقيه للولاية ترفعه إلى منزلة النبوّة أو إلى منزلة الأئمّة”، بل الولاية “تعني حكومة الناس، وإدارة الدولة، وتنفيذ أحكام الشرع”.
ولاية الفقيه، إذًا، هي مشروع سياسيّ يمنح الفقيه الحاكم القوامة المطلقة، بناءً على الحقّ الإلهيّ، على شؤون الدولة والمجتمع الإسلاميّين إلى حين عودة الإمام المغيّب. فالدستور الإيرانيّ يقرّر في مادّته الخامسة: “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمّة في جمهوريّة إيران الإسلاميّة بيد الفقيه العادل”. ثمّ يؤكّد على كون الفقيه العادل أعلى رتبة من رئيس الجمهوريّة المنتَخب من الشعب: “يُعتبر رئيس الجمهوريّة أعلى سلطة رسميّة في البلاد بعد مقام القيادة” (المادّة 113)، وهو نفسه له سلطة عزل رئيس الجمهوريّة بشروط معيّنة (المادّة 110). أمّا المادّة الثانية عشرة فتقرّر أنّ “الدين الرسميّ لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفريّ الاثني عشريّ، وهذه المادّة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”، لكنّها تلحظ حرّيّة اتّباع المذاهب الإسلاميّة الأخرى لمَن شاء من أبناء الجمهوريّة.
ويتبنّى الخميني الحديث القائل: “الفقهاء حكّام على الملوك”، ليصل إلى القول: “وإذا كان السلاطين على جانب من التديّن فما عليهم إلاّ أن يصدروا في أعمالهم وأحكامهم عن الفقهاء. وفي هذه الحالة فالحكّام الحقيقيّون هم الفقهاء، ويكون السلاطين مجرّد عمّال لهم” (الحكومة الإسلاميّة، ص 46). ويذهب بعض منظّري ولاية الفقيه إلى الحديث عن عصمة الوليّ الفقيه، فيقول محمّد علي التسخيري: “الدولة الإسلاميّة تقوم على أساس من التخطيطات والتشريعات التي يمدّها بها المعصوم مبلّغًا عن الله ومعبّرًا عن الواقع التشريعيّ الموجود في علم الله تعالى. والمعصوم بصفته قائدًا للحكومة الإسلاميّة ومنفّذًا للتشريع الإسلاميّ قد يقوم بملء مناطق الفراغ التي تركتها الشريعة له بحلول مناسبة لذلك الظرف ولا يُلزم المسلمون بتطبيق نفس تلك الحلول في مختلف الظروف” (حول الدستور الإسلاميّ في موادّه العامّة، ص 29-30).
هذا بعض من تعاليم نظريّة “ولاية الفقيه” وممارساتها في إيران. أمّا قول السيّد حسن نصرالله: “ولاية الفقيه تقول لنا نحن حزبها: لبنان بلد متنوّع متعدّد يجب أن تحافظوا عليه”، فإنّه لا يطمئن كثيرًا من المؤمنين بالتنوّع الدينيّ والثقافيّ والاجتماعيّ، والساعين إلى جعله واقعًا معاشًا وحقيقة غير ملتبسة. فماذا إذا تغيّرت الظروف وتغيّرت معها الأحكام وأقوال الولي الفقيه؟ نحن، الذين لن يتزعزع تقديرنا للمقاومة وما قدّمته من أجل لبنان، لا نرضى إلاّ بأن يكون التعدّد والتنوّع في لبنان ناتجين عن قناعة راسخة في وجدان جميع اللبنانيّين، وغير خاضعين لمزاجيّة أحد من الناس ولا سيّما إن كان من غير اللبنانيّين.
جريدة “النهار” 1 حزيران 2008