أبونا بولس أستاذ الفيزياء

mjoa Saturday August 16, 2008 340
له من الحكاية آلاف، قل مئات بل ملايين، كل واحد يحكيها عنه ليضيف أسطورة فوق لا معقولية تصرفاته وغير مسبوقية ردات فعله.
.
هل يغيب عن البال هذا التفاني في حمل اكثر من مهمة والتزام في آن: إدارة المدرسة، التعليم في الصفوف الثانوية، تأليف كتاب مع مجموعة من الأساتذة، رعاية اكثر من رعية، أبوته الروحية للعديد اللامتناهي من الشبيبة شبانا وشابات في اكثر من مطرح وقرية ومدينة، وتنكبه وكالة المطرانية في طرابلس، عودته الى صفوف الجامعة بعد ردح من الزمن ليحصِّل شهادة أكاديمية في اللاهوت، وفوق هذا أقامت اجتماعات بشارية وتعليمية وتربوية لجمع من أعضاء في حركة الشبيبة الاورثوذكسية وفي مختلف المراحل العمرية، مع الجامعيين والأصغر منهم والسيدات اللواتي وصلن الى عمر الشيخوخة. مع كل هذه المهمات وفي صلبها وفي نقطة الارتكاز منها كان يحاور كل أنواع المرايا، هو أستاذ الفيزياء، وكان يحولها ويأتي بكل عدة المنطق وروح العصر والعلم والمتابعة وبكل جديد إستلهاماً لما قاله الآباء والتقليد والتراث الكنسي جنبا الى جنب مع اقتناعه بما دعي “نهضة إنطاكيا” وما يشار إليه من بعض الدوائر الشبابية بأثر “الحركة” في حياة الجماعة.
وهو لم يفصل بين النظري العلمي والتربوي الى جانب البعد البشاري وحياته الخاصة فكانت تصرفاته وحركته اليومية منارة لمعتقداته وليس العكس. من هنا أطلق عليه الكثيرون صفة “القديس”.؟ وليس ذلك لأنهم استشاروا لجنة متخصصة أو اعتمدوا المقارنات بين شروطها وما يفيض منه من أعمال وانجازات وحدب وغيرية مفرطة وتفان بتقديم الخدمة لكل من اعتبرهم إخوته، هؤلاء الصغار، ولهم إنمسح وسجد وتلفَّع بالثياب المتهالكة، لكي لا نقول المهترئة، لأنه كان يجد المسارب لصرف المال لغير حاجاته.
الم يكن هو من نسي حصته في كتاب يؤلفه لاعتقاده انه جيّر المردود للخدمة الاجتماعية !
الم يكن ينسى أو يتناسى عرض نفسه لطبيب ليترك الأمر يحصل عبر مفاجأة أصدقاء وهو متلبس في حالة مرض مؤلم وحاد ويحتاج الى تدخل جراحي!
الم تأتي لعنده امرأة من رعيته تشكو حال زوجها المقامر والذي رهن البيت ليبيعه بعد سهرة تفريط طالبة تدخلاًَ ما منه فأعطاها ما كان في جاروره من مال يكفي لحل المشكلة ولم يحتج ذلك منه لكثير من تفكير ليقرر! فقال من حوله ان هذا جنون ..
الم .. الم .. الم يخفف الألم عن كثيرين ويخترع لهم الأحلام ويقدم مجانا ويبتسم كمن يبتسم لوجه الله!
أيعقل وهو أسقف مطران اكبر منطقة جغرافية تجمع بين لبنان وسوريا كم تمادى بالوفاء بواجباته الاجتماعية والرعائية، الى درجة ألحقت بجسمه العلل، ومع ذلك فلم ينسى أصدقاءه وزملاءه الموزعين في كل الجغرافيا. وهو أتى الى زفاف ابن احد أصدقائه وعندما وصل متأخرا الى الخدمة في الكنيسة لحق بالعائلة الى منزل الولد العريس وعندما كانت الكهرباء مقطوعة لم يتوان من الصعود خمسة طوابق ولما ذهل الجميع بوصوله وحاولوا لومه تحبباً أجاب: ألا تريدوني ان أكرس هذا البيت الجديد واصلي ليكون مكانا صالحا لتأسيس عائلة مسيحية.
خبريات وحكاية قد تجد لها اكثر من إضافة أو صيغة كلها لا تحكي ولن تحكي عن أبونا بولس. الذي كان يحب ان نناديه دائما على هذا النحو حتى ولو انتبهنا وأضفنا “سيدنا” فانه لنا بالمرصاد: معليه معليه ألا تريدونني أن أبقى أبونا بولس!
ذاكرتي الخاصة تحفظ له الكثير الكثير وفي أماكن عديدة، في البيت وعلى شرفة المنزل: جلساته الطويلة مع “أبو بندلي” يناقشان مالية المدرسة ويحاولان رفدها بمال كان صعب المنال، وفي بيت الحركة في أكثر من لقاء وحوار مع الشباب ولكن أطرفها يبقى مع مدام “رمزة” وحرصها الدائم على التذكير بالراحة، وفي المدرسة حيث كان وسيبقى دائما، مع انه كان مديراً، أستاذ مادة الفيزياء علّمنا ما نعرفه عن الكهرباء والبصريات عدساتً كانت أو مرايا. أبونا بولس، منذ زمن وحين تذكر كلمة “قديس” كنت اعتبر انه باستطاعتي شرح معناها لأني اعرف واحدا يجسدها على قيد الحياة. يبدو انك قد فككت غلالة القيد يا أبونا بولس، ولكن لم يعد لك سلطة علينا لكي لا ندعوك “قديساً”.
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share