المثلث الرّحمات بولس بندلي- رجل الله –

mjoa Saturday August 16, 2008 346
رحل بولس بندلي، ذاك الذي تعرفه دروب المدن والدساكر. فيها جال مبشّرا مصغيًا بعين الرّوح إلى النّاس، فرأى فيهم قضيّة الله على الأرض فالتزمهم التزامًا ودّيًا قَلَّ أن ترى نظيره.لقد استأحدَ بولس بندلي بإلهه، لكنّه لم يستأثر به، بل قاد إليه القطعان الشّاردة وصرفها عن وجهه الأرضي إلى وجه إلهها الحيّ السّماوي الذي أنار دربه في تعبه وشقائه وبـهائه.
.
لقد تأدَّدَ بولس بعبوديته لربّه، إذ رأى فيها الحرّية الّتي تقود إلى الحقّ، بذاك الحقِّ يتحرّر الانسان ويتفلّت من ترابيته لينفجر النّور ويطلع بـهاؤه من الآنية الخزفيّة المتكسّرة. كانت أبرشية عكار تنتظره، بسهولها وحقولها وتلالها، كذلك قرى الجهات السّورية التابعة لوحدة الايمان والحال الكنسيّة بعيدًا عن تخوم السّياسة وأهلها.
أحبَّ بولس بندلي أبرشيته لأنّـها ،كانت مثله، تعيش الفقر الإلهي وتعيش ساعية إلى بـهاء ربّها، لكأنّ اسمها” عكار”، إذا عكسته، كان كـ”راكع” في ديار إلهها الذي بحث عنه الشّعب المؤمن بين الآلهة، فلم يقع إلاّ على هباء بانتظار من يزيح غبار الإهمال عن الكنـز السماوي.
كانت خراف عكار تبحث عن راعيها، فكان بولس حاضنًا لها وموجّها وأبًا وقديسًا يقودها إلى مراعي الرّجاء والينابيع الّتي تشتاق إليها الأيّل، فإذا الرّجاء في داخلها وإيمانـهم ينفجر رؤى نـهضوية على البسيطة العطشى فتزهر الكنائس والرعايا والانجازات الّتي لا تطلب شيئًا لنفسها، بل تريد كلّ شيء لأبي الأنوار الّذي ينـزّل بركاته على متّقيه.
رجل الله بولس بندلي عرفه المؤمنون بتواضعه الّذي كان شهادة لمحبوبيّة ذاك الّذي اتّضع ليرفع الكلّ إلى الآب لينعموا بالبهاء والنورانيّة الفيّاضة وليذوقوا المحبة الاولى، تلك الّتي عاشها بولس مع  كلّ رفعةٍ للكأس المقدّسة صارخًا في المؤمنين: أن افتحوا أبواب قلوبكم الحجريّة ليدخلها ربّ المجد ليحيلها إلى قلوب لحميّة تحسّ وتشعر بالفرح السّماوي الّذي أدركه رجل الله بولس بندلي، وكان له في مسرى حياته الخادمة للآخرين التزام بوجه السيد في أخوته المساكين المرميين في الطّرقات يسألون كسرة خبز أو كلمة تعزية.
عظمة بولس بندلي كانت في تواضعه المسكون بالرّجاء، وبالنّور القيامي الّذي لا ينضب. لقد قال كلمته في خميس الصّعود ليثبّت إيمانه بأنّنا جميعًا صاعدون إلى أورشليم السّماوية حيث نسبح في النّهر البلّوريّ الّذي تحدّث عنه سفر الرؤيا لتغدو الشفافيّة النّورانيّة سمة القائمين في حضرة الله ، وقد رسّخها الرّاحل بحضوره الدّائم في حياته أمام ربّه في مناجاة تجلّت في خدمته الطّويلة ومواهبه المتعدّدة.
مضى بولس إلى وجه من أحبّ، ليصلي من أجلنا في حضرته وليرأف المولى بحال العالم كلّه مستقلاً مركبته النّارية، فيما أيدي عارفيه تمتدّ لتتداول خيوط شال قداسته.
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share