المأساة اللبنانية في ضوء معاني الصليب

mjoa Thursday October 2, 2008 281

 

         “يقول يوحنا الذهبي الفم : إن يسوع بموته على الصليب قد علّمنا لا أن نقتل الأعداء بل أن نموت من أجلهم. والصليب هو ذاته شهادة الله المحبة والتزام بتجسيد تلك المحبة في حياة الإنسان والمجتمع. والمسيحية هي التي تستطيع مساعدة البشرية على تحقيق ذاتها، وتحقيق المحبة والسلام والعدالة. كيف يمكن أن نساعد نحن المسيحيين على تحقيق العدالة والمحبة في هذا البلد…؟”.

.

 

أولاً: المعاني الاجتماعية للصليب

1 – معاني الصليب
أ – بالصليب أدركنا أن الله – مع أنه كليّ الاقتدار ومصدر الوجود كلّه – لم يشأ أن يقتحم الإنسان اقتحاماً، بل أن يخاطب حريته محترماً مبادرتها إلى حدّ عجيب، إلى حدّ السماح لها – وهو خالقها – برفضه حتى القتل، دون أن يبدر منه بالمقابل أي رفض حتى للذين رفضوه (وقد تجلى ذلك في صلاة يسوع على الصليب: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”). تلك هي ذروة المحبة، أن تدعو المحبوب دون أن تغتصبه، وأن تحافظ على رجائها به حتى المنتهى، مصرّة على اعتباره أفضل من ضلالاته وشروره.

 

ب – لا بل إن الله جعل من هذه الضلالات والشرور عينها فرصة لإطلاق الحياة من عقالاتها في عالم ساده الشرّ والظلم والحقد والموت. فقد دخل الله نفسه، عبر صليب يسوع المسيح، في عالم الظلمات هذا، ففجّر في صميمه محبته المشعّة وحياته الظافرة: “فانه هوذا بالصليب قد أتى الفرح لكل العالم”. هكذا بالموت تحققت غلبة الحياة، حياة قُدّمت للجميع، أيًّا كانوا، وحتى للصالبين قتلة الحياة أنفسهم إذا شاؤوا أن يعودوا عن غيّهم وأن يتجاوزوا عمى قلوبهم وتحجّرها. فلنراجع بهذا الصدد خطبة بطرس في الجمهور اليهودي بعد حلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة وما تلا هذه الخطبة من حوار بين بطرس والجمع:
“… إن يسوع الناصريّ، ذاك الرجل الذي أيّده الله لديكم بما أجرى على يده بينكم من المعجزات والأعاجيب والآيات، كما أنتم تعلمون، ذاك الرجل الذي أُسلِمَ بقضاء الله وعلمه السابق فأخذتموه وصلبتموه وقتلتموه بأيدي الكافرين، قد أقامه الله (…) فليعلم يقيناً آل إسرائيل أجمع أن الله قد جعل يسوع هذا الذي صلبتموه سيداً ومسيحاً”.

 

 

فلما سمعوا ذلك الكلام، أحسّوا أن قلوبهم تتفطّر، فقالوا لبطرس والرسل: “ماذا يجب علينا أن نعمل، أيها الأخوة؟ قال لهم بطرس: “توبوا، وليعتمد كل منكم باسم يسوع المسيح، لتُغفَرَ خطاياكم، ويُنعَمَ عليكم بالروح القدس…” فقبلوا كلامه واعتمدوا، فانضمّ في ذلك اليوم زهاء ثلاثة آلافِ نفس”.
(أعمال الرسل 2: 22-24 و36-41)

 

 

 

 

 2- انعكاسات هذه المعاني في حياتنا الاجتماعية:
 من تلك المعاني التي كشفها الله لنا في صليب ابنه الحبيب، تعلمنا نمطاً من السلوك في حياتنا الاجتماعية يفرض ذاته علينا في كل عصر وظرف إن كنا فعلاً مسيحيين، ويتخذ ملحاحية خاصة في الأوضاع المأساوية التي نعيشها حالياً في لبنان. هذا النمط يستلهم التوجهات التالية:
 أ – إن الجماعة المنتمية إلى الله لا يسعها بحال من الأحوال أن تتذرع به لتفرض ذاتها على سواها، لأنها بذلك تكون على نقيض سلوكه وأخلاقه كما تجلت في صليب يسوع.

 

 

 ب – إن علوّها وعظمتها يتجليان – على شاكلة عظمة الله وعلوّه – لا بالهيمنة والتسلّط وتدمير الخصوم، بل بحياة تغدقها على الجميع دون استثناء، وبنوع خاص على شتى المعذَّبين والمقهورين والمحرومين الذين تبنىّ الله جروحهم في صليب يسوع، وتتجلى بخدمة دؤوب تقدمها الجماعة المسيحية لإشاعة المصالحة والسلام والعدالة والحرية والكرامة ولمكافحة الكراهية والانغلاق والاستئثار والاستغلال والاستعباد والتخلّف والجوع والبؤس والمرض.

 

 

 

***

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share