بماذا العالم مدين للمسيحية

mjoa Thursday October 2, 2008 285

 

مقدمة: إننا نسمع أحيانًا بعض اللامؤمنين، وأحيانًا بعض المسيحيين يتساءلون: ماذا قدمت المسيحية للإنسانية وها قد مضى على وجودها ألفا سنة؟ هل أعطت خبزًا للجميع؟ هل أوقفت حروبًا؟ هل نشرت العدل والسلام في المجتمع؟

.

 … وبعد أن ينظروا إلى الناس كيف لا يزالون يستغلّون بعضهم البعض وكيف لا يزالون يقتتلون يستلخصون من كل هذا أن المسيحية قصّرت في اداء رسالتها. ولكننا نستطيع أن نجيب عن هذا بالاعتبارات التالية:

 

1- أن المسيحية نداء يوجهه الله إلى الإنسان الذي يستطيع بكل حرية أن يستجيب له: “إن أراد أحدكم أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني”. وهكذا نرى أن كل جواب في نظر المسيح، يفقد قيمته إذا لم تكن الحرية مصدره، ولذلك أعلن بنفسه أن المسيحيين الحقيقيين قليلون “ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة”.

 

2- فالمسيحية في جوهرها تهتم إذًا أن تقود الإنسان بملء حريته إلى الحياة الأبدية. ولكنها لم تدّع يومًا بأنها تنظّم مباشرة الحياة الأرضية، فقد قال المسيح: “إن مملكتي ليست من هذا العالم”. وإذا كانت المسيحية تعطي بعض قواعد عامة تنظّم علاقات الناس بعضهم ببعض، فهي لم ترد يومًا أن تعفي الناس من مهمة التفكير، هم أنفسهم وبواسطة العقل الذي أعطاهم إياه الله، بالوسائل التي تحقق عمليًا هذه القواعد فينظّمون المجتمع على هديها. فالمسيحية لا تحوي برامج سياسية أو اقتصادية، إذ كيف يمكن لحقيقة الله المجردة، الخالدة، أن تخصص برامج مثل هذه ناقصة ومتغيرة مع العصور والأمكنة؟ ولكن، يمكن لبرنامج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أن يستوحي من المسيحية، أو يأخذ عنها بعض أشياء، دون أن يتوحد معها.

 

 

 ومع ذلك فان المسيحية، وهي دين التجسد، متجسدة وممزوجة هي أيضًا بعجينة الحياة الأرضية كما أنها ملح هذه العجينة وخميرتها: “أنتم ملح الأرض… وإن ملكوت السماوات يشبه خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع”. وكان تأثير هذا الخمير بطيئًا كتأثير كل خمير آخر. كذلك ما هي قيمة ألفي سنة بالقياس إلى عشرات آلاف السنين التي مضت على وجود الإنسان؟ ولكن هذا لا يمنع كون تأثير المسيحية، في تاريخ الإنسانية، حقيقيًا وقويًا، كما سنبين فيما يلي:
1- كانت تسيطر على الأقدمين فكرة الحتميّة، وهي فكرة طالما بعثت الشلل فيهم لأنها جعلتهم يرضخون دون أدنى مقاومة لضغط كون لا يسعون لتحويله. ولكن المسيحية جاءت فبعثت في هذا المجتمع الهرِم المخدَّر فكرة ثوريّة، وهي أن الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله وأخذ من خالقه رسالة السيطرة على العالم، حسب ما جاء في التوراة: “إنميا وأكثرا واملآا الأرض وتسلطا عليها”. وهكذا استطاع الإنسان أن يندفع بملء الثقة، إلى افتتاح العالم دون خوف من أن تحطم جهوده ألوهية معادية كما في أسطورة بروميثيوس.

 

2- كان الأقدمون يعتقدون بوجود آلهة عديدة تدير العالم حسب أهوائها الارتجالية والمتضادة. ولكن جاءت المسيحية فنشرت بعكس ذلك فكرة الإله الواحد الذي يدير العالم حسب قوانين ثابتة وضعتها حكمته. وبهذا نرى أنها جعلت العالم، ليس ألعوبة للآلهة، بل تسببًا عقليًا، فأتاحت بذلك للأفكار العلمية أن تنمو وتزدهر.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share