تقرير الأمين العام الى المؤتمر الحركي 40 – تشرين الأول 2008

mjoa Sunday October 5, 2008 250
المجد للربّ الذي يزيدنا من نعمه وبركاته، فيمنحنا، أيضاً وأيضاً، أن نذوق فرح الشركـة   والجماعة ويحنّ علينا بما يرسّخ  وحدتنا في رحاب ضياء  وجهه. إنها المرّة الأربعون التي نلتقي فيها ونحن مشدودون الى  تلك الرؤية التي بثّها الروح القدس في نفوس شباب قرّروا أن يتكئوا على جسد  المصلوب ليخصّوا حياتهم به ويستحيلوا بها معبراً الى الخلاص. فقوننوا الحياة حول كشف الهيّ  آل بهم رسلاً  أقرباء  ليسوع متلمِذيـن الناس على الارتقاء بناسوتهم الى الصيرورة به بعضاً من نسيج الهيّ.
.
المطران بولس بندلي

نلتقي هذا العام وأحد  هؤلاء المتلمِذين، المطران بولس بندلي، قد خطى خطوته الأخيرة نحو الربّ. قد يعتقد من يعرف موقع المطران بولس وصدارته لدينا أننا نتأملّ في ذكراه، في المناسبات الحركية، وفاءً لأب أحبّنا وعطف علينا وواكبنا وعلّمنا ورعانا وخدمنا ودلّنا الى وجه يسوع واختصر المسافات وعبّد الطرقات لتنسال القناة الحركية خلفه وتصل الناس بالربّ.  وقد يظنّ البعض القليل، وهذا كلام قد قيل، أننا نستغل حدث انتقاله عنّا ونبالغ في تقديس صورته لنبقي حركتنا في صدارة الحدث الكنسيّ  ونفخر بها أبداً.  فرُغم أن الوفاء لكلّ من انتصبت قامته أمامناً معلّماً ومثالاً هو واجبنا، لكونه، في حقيقته، وفاءً للربّ، ورُغم أنه لا يعيبنا أن نفخر بحركتنا وثمارها ما دامت هي حركةَ محبة الله في الاتجاهات المختلفة، ولا يعيبنا أبداً، في هذا السياق، أن ندلّ الناس الى مواطن النور فيها خصوصاً متى اشتدّت الظلمة حولهم وحولنا، إلا أننا، اليوم، لا نحدّث الناس عن الأب بولس  بندلي،  لهذا السبب أو لذاك بل لما هو أهمّ.  لأننا خبرناه  نبيّاً، مبشّراً، صدّيقاً، لصيقاً بارادة الله فقط معلناً إيّاها أينما حلّ ووقتما حلّ. تلمذ على المسيح لا على ذاته وما أراد من تأصّل الفضائل الجمّة في وجوه حياته، التي يصعب على أيّ منا حصرها وتعدادها، إلا أن تكون سماتً شاهدةً على فخره بربّه وفضائله. هذا، وحده، ما نصبه في ضمائرنا إيقونة رُسمت بخطّ الهي  يستحيل محوه. والايقونات يصعب حجبها عن ضمائر الناس لأن وهج المسيح يكلّلها ودمه المسفوك على خشبة يزيّنها. فمن أجل أن نمدّ هذا الوهج في عالمنا ونغرس بذور القداسة، النافرة في حياة هذا المعلّم، في حياتنا وحياة شعبنا، توجّهنا الى وضع برنامج يختصّ بالراحل القديس يساهم في تحقيق هذه الأهداف. ولهذا باشرنا الاعداد لفيلم وثائقي يحدّث عن سيرته وشهادته، وكتاب للغاية نفسها، ولقاء شعبي انطاكيّ إعلامي موسّع حوله ستبحث الأمانة العامّة اقامته في إطار المنتدى الحركي الثاني للفكر والاعلام، في شهر اذار المقبل، بعد أن تعثّرت إقامته في الأيام القليلة القادمة حسب ما كان مقرّراً سابقاً.
الشأن الكنسيّ والرعائي
ما يدلّ على فرادة كبارنا، الذين  طبعوا مواقعم الكنسية بالهوية النهضوية، أن أمراً لم يزحزح التصاقهم بارادة الله رغم ما نشهده من عودة  سافرة للنفوذ المالي والسياسي والاجتماعي ليكون الأكثر حضوراً وتأثيراً في الوجوه المؤسساتية للكنيسة وقراراتها. وليس سرّاً القول إن حجب الحضور الحركيّ وتأثيره في هذه الوجوه هو ما أفسح المجال، واسعاً، أمام هذه العودة. لن أتوسّع في حيثيات هذا الحجب، وخصوصاً في أسبابه، كيّ أتجنّب تكرار ما سبق أن توسّعت به على صعيد العلاقة والمؤسسة الكنسية في تقاريري السابقة. لكنّ ما أريد اعلامكم به أنّه تمّت مصارحتنا هذا العام، من قبل بعض الرؤساء الكنسيين، بضرورة أن نسعى الى ايجاد رابط للادارة الحركية بالرئاسة الكنسية حيث قُدّمت بعض الاقتراحات على هذا الصعيد. وقد أُبلغنا، مباشرةً، بصعوبة الاستماع الينا بأذن صاغية والأخذ بمقترحاتنا وأفكارنا ما لم نسع الى بناء هذا الرابط الذي لا سبيل لنا دونه، بنظر هذا البعض، لاكتساب الهوية الكنسية والفاعلية المرجوّة في الوجوه المؤسساتية لكنيستنا!  ما يلفت، هنا، أن هذا الطرح قد ترافق مع قرار اتخذه أحد السادة المطارنة بتجميد مسؤولية الحركة عن  الأسر  التعليمية  (الطفولة، الاستعداديين، الثانويين) في أبرشيته إضافة الى مقاطعته احتفال عيد الحركة ومضايقات تعرّض لها الأخوة في هذه الأبرشية بوجوه عدّة  منها الاستمرار في إبعادهم  عن المجالس والهيئات الرعائية فيها.
أنطلق، فيما خصّ هذا الجانب، من بنوّتي الرعائية ومحبتي الحقّة للسادة الرعاة وامتناني لثقتهم ومحبتهم التي أتلمسها دائماً لأكرّر، للمرّة الألف، أننا لا نسأَل هويّتنا الكنسية، ولن نسألها يوماً، من أحد أيّاً كان موقعه وشأنه في الكنيسة. وهذا لا نعلنه افتخاراً بالذات وصلابة موقف بل ايماناً منّا بأن كلّ من اعتمد على اسم الربّ وسعى الى أن يمدّ معموديته في خياته التزاماً في  حياة الكنيسة ومشاركة في أسرارها وشهادة للمسيح وفكره في العالم إكتسب الهوية الكنسية من جرن المعمودية ممهورةً بختم يسوع المسيح رأس الكنيسة. وبهذه الهوية ننطلق في مسؤوليتنا الكاملة عن ترسيخ الكنيسة في أمانتها لسيّدها والحدّ من تشويه وجهها وخدمتها في العالم. هذا لا يُبطل عجبنا من أن ترتبط مقاييس اكتساب الهوية الكنسية، لدى هذا  أو ذاك من الرعاة، بما يرضي الأشخاص ومواقعهم لا المسيح.”هل أتوخّى رضا الناس؟ لو كنت الى اليوم أتوخى رضا الناس، لما كنت عبداً للمسيح” (غلاطية 1: 10). وبناء عليه نسأل أين تكمن استقامة مسؤولية الراعي حين  يقسو على الحركيين، الذين أقلّ ما يمكن وصفهم به هو أنهم أبناء المسيرة الكنسية، ويُعيّرهم بحريتهم في المسيح التي لا يُساومون عليها ويُمنّنهم ببركته التي يحتاجون اليها لتتسنّى لهم الشهادة في هذا الاطار الجغرافيّ أو ذاك والتي، في رؤيتهم، تساهم في استقامة شهادتهم أينما كان، ويطالبهم بالتسليم بتبعية تناقض قناعاتهم الايمانية شرطاً لتلك البركة ولتُفتح أمامهم مطلات الخدمة في قنوات المؤسسة الكنسية، ولا يُسأل متموّلٌ أو نافذٌ محيط بهذا الراعي أقلّه عن شرط الهي، عن مشاركته في الذبيحة الالهية يوم الأحد، كيّ يكتسب، بحقّ، عضوية شعب الله ويستقيم عطاءه  ويصبّ تأثيره في مشاركة  هذا الشعب في مسعاه الى جعل كنيسة المسيح أكثر خدمة وأمانة لسيّدها. نسأل عن هذا لأن “دعوة شعب الله أن يرتفع ويمتدّ، أن يذهب الى الله ويعطي للناس، أن يمجّده ويخدمهم” يقول المطران جورج خضر (أنطاكية تتجدّد ص. 182).
إن هذا الارتياح الكنسيّ الى أحضان النفوذ الطائفي والمالي والسياسي والاجتماعي والذي تكثر وقائعه كلّ يوم في كثير من أبرشيات كرسينا الأنطاكيّ هو العتبة الأولى التي  يعبرها، متسلّلاً، الوجه الطائفي ليسود، مجدّداً، وجه الكنيسة ويتسلّط عليه. لهذا أنبّهكم يا إخوة، من خطورة اللامبالاة  بهذا الوضع  واستيعابنا له  والقبول به كأمر واقع لا محال منه بسبب تلّهينا “بشؤوننا وداخلياتنا” الحركية. هذا لأن تأثير أبناء الايمان في الوجوه المؤسساتية لكنيستنا الأنطاكية يشكّل وحده، اليوم، السدّ  المانع لهذا التسلّل البغيض الذي قد يذهب بكثير من منجزاتنا النهضوية في أنطاكية سُدى. فمن أجل أن نكون أكثر أمانة لتاريخنا، وإضافة الى ما سنقرّره غداً إثر بحثنا لورقة “حضورنا في الرعية”، التي أعدّها الأب مخائيل الدبس،  فإني أدعوكم الى ما يلي:
1-    تصدير الشأن الكنسيّ الأنطاكيّ في هواجسنا وإيلائه مواكبة جدّية منهجية خلال هذا العام. إن باكورة هذا التوجّه هو أن نتطلّع، في فرقنا وفروعنا ومراكزنا ، الى كلّ الشعب المؤمن المحيط بنا ونجد الآليات لاشراكه بمواجهة هذا الواقع ونسج المزيد من العلاقات معه بهدف توسيع الدائرة الشعبية الرعائية الواعية لدورها الكنسيّ المسؤول. فليس سرّاً القول إن احتضان الشعب المؤمن لنا ولفكرنا وهواجسنا الرعائية، واحتضاننا له، قد خفّت معالمه، أقلّه، في العقود الثلاثة الأخيرة بسبب أخطاء واهمال  في غير محلّه. إن مراوحتنا في الأولويات التي نعتمدها، محلّياً، الى اليوم ستعطّل قدرتنا على التأثير في وجوه حياتنا الكنسية كما يجب، خصوصاً إن علمنا بأن فعالية الأمانة العامة في الشأن الكنسي ترتبط، بقوّة، وتُكتسب من  فعالية المراكز والفروع الرعائية.
2-    ايجاد آلية لقاءات دورية تجمع مجالس المراكز والفروع بالسادة المطارنة وكهنة الرعايا تتجاوز البُعد الشكليّ لاشراكهم، الفعلي، في الهاجس الانطاكيّ  والمسؤولية عن معالجة همومه  هذه وحثّهم على القيام بما يُرجى منهم، وسيحاسبون من قبل الربّ عليه، إزاءها.
3-    توصية الأمانة العامّة بالدعوة الى مؤتمر رعائي إنطاكيّ عام،  مواكَبة لتحرّك الفرق والفروع والمراكز،
تتشارك في اعداده  مع طاقات أرثوذكسية مؤمنة  أخرى  وتتوسّع دائرة المشاركين فيه الى غير الحركيين أيضاً. تتمحور مواضيعه حول مسؤولية شعب الله  في كنيسته وقراءة تقييمية موجزة لقانون المجالس في الكرسيّ الانطاكيّ وواقع مشاركة هذا الشعب في ادارة شؤون كنيسته وايجاد آليات متابعة مشتركة.
4-    اجراء، على صعيد المراكز،  قراءة نقدية، تقييمية، جريئة، هادئة، موضوعية ومنفتحة،  لعلاقاتنا مع  كهنة الرعايا ومجالسها والهيئات والجمعيات الكنسية الأخرى بنور تقليدنا وخبرتنا الحركيّة وفي ضوء ما ستتفّق عليه غداً من رؤى وتوجّهات، على أن تواكب الأمانة العامّة هذه القراءات وتطّلع على خلاصتها. ما دفعني الى اقتراح أن نبحث في هذا المؤتمر ورقة “حضورنا في الرعية” التي سبق ذكرها  هو، بغض النظر عن المسؤولية والمسبّبات، فتور علاقتنا مع بعض الكهنة والهيئات الكنسية وصعوبات تواجه هذه العلاقة باتت غير محصورة بمكان واحد أو اثنين.  إن هدف دعوتي الى هذا التقييم هو أن نزخّم ترجمتنا لما دعانا اليه تراثنا الحركيّ،  على المستوى الرعائي، من روح مبادرة وانفتاح وتلطّف وأمانة للحقّ، والمبادرة، بجرأة، الى فعل ما يلزم، من جهتنا، لتجنيب الأجيال الحركية التأثيرات السلبية لهذه الصعوبات عليها والتي باتت ملحوظة بعض الشيء لديها ومعيقة لقدرة بعضها على العطاء.
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share