في سبيل تخطّي الشعور الطائفيّ

mjoa Wednesday October 8, 2008 264

 

“كيف السبيل إلى مقاومة الشعور الطائفي نحو شعور مسيحي وإنساني أكثر انفتاحاً؟”

التحّول من انغلاق الطائفية نحو شعور مسيحي وإنساني أكثر انفتاحاً يتطلب، كما أرى، خطوات حاسمة على الأصعدة التالية: الصعيد الإيمانيّ، الصعيد السياسي، الصعيد الاجتماعي، صعيد العلاقات الإنسانية في الحياة اليومية.

.

 

أولاً : على الصعيد الإيمانيّ
 مقاومة الشعور الطائفيّ تقتضي، على الصعيد الإيمانيّ، اهتداء نعود به إلى أصالة الإيمان عبر انسلاخ، ليس بالأمر اليسير، عن أفكار ومواقف كثيراً ما تمتزج بإيماننا لتفرغه من مضمونه وتنحرف به عن خطه الصحيح.

1 – فعلى المؤمنين بالإله الواحد، أياً كان دينهم ومذهبهم، أن يتخطوا رواسب الوثنية التي، وإن انتفت من معتقداتهم، فإنها بقيت، في كثير من الأحوال، معشّشة في مواقفهم وسلوكهم (فاقتلاع الوثنية من صميم الكيان، لا من الذهن وحسب، عملية لا تتم دفعة واحدة، إنها تتواصل عبر جهاد طويل ومرير ويقظة دائمة. من هنا تحذير الرسول يوحنا للذين سبق أن اهتدوا إلى الإيمان بالإله الحق، إذ يوجَّه إليهم، مع ذلك، التنبيه التالي في خاتمة رسالته الأولى: “يا أبنائي الصغار، إحذروا الأصنام”، (1 يوحنا 21:5). على المؤمنين بالإله الواحد أن يعوا إذاً، لا بالذهن وحسب، بل بمجمل الكيان، أن الله ليس حكراً على فئة من الناس، ولو أعطيت هذه الفئة – وهذا ليس من فضلها بل من فضل الله عليها – أن تكون أقرب من سواها إلى ملء حقيقته. عليهم أن يعوا، لا وعياً كلامياً بل وعياً معاشاً يحرّك القلب ويلهم السلوك، ان الله “إله وأب للجميع”، كما يقول الرسول بولس، و”ربّ العالمين”، كما يعلن الاسلام. وبالتالي، أن مقياس الانتماء الحقيقي إليه والتحرر الفعلي من الوثنية لا يكتمل بمجرد ترداد صيغ التوحيد، إنما بالانفتاح المحبّ على الناس بدون استثناء .

 

 

 فالوثني يعبد إلهاً يختصه لعشيرته ويقاوم به سائر العشائر الأخرى وآلهتها، وهذا ما ننـزلق إليه، للأسف، عندما نحيي، بإنقيادنا للعصبية الطائفية، روح الوثنية البائدة، فنجزّىء الإله الواحد لنتخذ منه تغطية لأهوائنا الفئوية ومصالحنا الضيقة. أما المؤمن فعلاً بالإله الأحد، فهذا يدرك بملء جوارحه أنه أخ للجميع، على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم، لأن الإله الذي يتعبّد له يشمل الناس كلهم، وحتى الأشرار منهم، بعطفه وحنانه. “فالخَلقُ كلّهم عيال الله” كما يقول حديث شريف. والرب يسوع يخاطب أتباعه في الموعظة على الجبل قائلاً:
” أما أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم وادْعوا لمضطهديكم، فتكونوا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنه يطلع شمسه على الأشرار والأخيار، ويُنـزل غيثه على الأبرار والفجّار (…) فإن سلّمتم على إخوانكم وحدهم، فأيّ شيء غريب فعلتم؟ أو ليس الوثنيون يفعلون ذلك؟ فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل”.
(متى 5: 44-48)

 

 

 

2- هذا التخطّي لذاتي، ولجماعتي التي أرى فيها صورة مضخّمة لذاتي، يتم اذا تيقّنت فعلاً بأنني محبوب من الله، كما كشف لي يسوع المسيح، وبأن هذا الحب هو الذي يقيمني في الوجود ويرعاني بحنانه في كل لحظة:
” أما يُباع عصفوران بفلس؟ ومع ذلك لا يسقط واحد منهما إلى الأرض بغير علم أبيكم. أمّا أنتم، فشعر رؤوسكم نفسه معدود بأجمعه. لا تخافوا، أنتم أكرم من عصافير كثيرة”.
(متى 10: 29-31)

 

 

 

 فإذا عرفت نفسي محبوباً على هذا المنوال، أستطيع أن أحبّ نفسي على نواقصها وخيباتها. إنما لا يسعني فيما بعد أن أنطوي على نفسي وعلى من يشبهني وينتمي إلى فصيلتي، لأنني أختبر أن وجودي، في أساسه، هبة حبّ، بدونها لست بشيء، وإنني بالتالي لا أحقق ذاتي إلا إذا تجاوبت مع الحبّ الذي به أوجد واندمجتُ بتياره وتجاوزت بالتالي حدود ذاتي إلى علاقات بالآخرين أتقبل فيها وأعطي، أحيا فيها بمقدار ما أنقل الحياة لآخرين.

 

 

 

 هذا وإن معرفتي – لا الذهنية وحسب بل المعاشة – بأنني محبوب من ذاك الذي هو ينبوع وجودي وكلّ وجود، إن معرفتي هذه تخوّلني أن أتخطّى الخوف (فلنتذكر نداء الرب في النص المذكور أعلاه: “لا تخافوا”) وأن أقدم بالتالي على مجازفة الخروج إلى الآخر، إلى من هو مختلف عني وعن جماعتي، لألاقيه وأمدّه بالحياة التي أُعطاها وبالفرح الذي يوهب لي وأستمدّ منه، بدوري، ما وُهب له من حياة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share