تزيين الهياكل وإطعام الجياع

mjoa Saturday October 18, 2008 177

 

“ألا ترى أن صرف الكثير من المال على ترميم الكنائس هو موقف غير إيمانيّ وخاصة عندما نعرف أن هنالك الآن الجياع في أفريقيا؟”

أولاً: الأولوية إنّما هي للإنسان:
1-فقد قال يوحنا الذهبي الفم: “لا تزيّن هياكل الله إذا كان لإهمال أخيك في الشدّة. هذا الهيكل أعظم جلالاً من ذاك”.

2- المسيح هو هيكل الله الجديد أي مكان حضور الله في الأرض: “أجاب يسوع، وقال لهم: “أنقضوا هذا الهيكل، وأنا أقيمه في ثلاثة أيّام”. فقال اليهود: “في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل، وأنت، في ثلاثة أيّام، تقيمه!” أمّا هو فكان يتكلّم على هيكل جسده…” (يوحنا 2: 19-21).

.

3- وبذلك اصبح البشر، الذين وحّد المسيح ذاته بهم، والمدعوون أن يصبحوا جسده، أي امتداده في التاريخ، أصبحوا بدورهم هيكل الله في الأرض:
* “لأن هيكل الله مقدّس، وهذا الهيكل هو أنتم” (1 كورنثوس 3: 17).

* “فإننا نحن هيكل الله الحيّ، على حسب ما قال الله: “إني سأسكن فيهم…” (2 كورنثوس 6: 16).

4- هذا ينطبق بنوع أخصّ على كلّ معذَّبي الأرض، الذين كانوا محطّ اهتمام المسيح الرئيسيّ في حياته الأرضيّة والذين أقام بينه وبينهم مطابقة خاصّة: “لأني جعتُ فأطعمتموني، وعطشتُ فسقيتموني، كنتُ غريباً فآويتموني، وعرياناً فكسوتموني، وكنت مريضًا فعدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ (…) الحقّ أقول لكم، إنّ كل ما صنعتموه إلى واحد من أخوتي هؤلاء، إلى واحد من الصغار، فإليّ قد صنعتموه (…) إنّ كلّ ما لم تصنعوه إلى أحد هؤُلاء الصغار، فإليّ أيضاً لم تصنعوه” (متى 25: 36 و40 و45).

 

5- الكنيسة خادمة كسيّدها. هذا هو مبّرر وجودها. إنّها موجودة لا من أجل ذاتها، بل من أجل الناس، من أجل خلاصهم وتحريرهم، كما أن وجود يسوع على الأرض كان، بكليته، من أجل الآخرين. كل انطواء للكنيسة على ذاتها للتباهي بممتلكاتها وأبنيتها وغناها، إنّما يتمّ على حساب رسالة التحرير والخلاص هذه، وبالتالي يعطّل بناء ملكوت الله الذي وُجِدَتْ الكنيسة لتكون علامته وباكورته في الأرض، ذلك الملكوت الذي أوضح يسوع أن من أهمّ علاماته “أن الفقراء يُبشَّرون” (متى 11: 5)، أي أن البشرى تُحمل اليهم، بشرى تحرّرهم الفعليّ والفوريّ من البؤس: “…لم يكن فيهم محتاج، بل كان كل من يملك الحقول أو البيوت يبيعها، ويأتي بثمن المبيع فيلقيه عند أقدام الرسل، فيعطى كل منهم على قدر احتياجه” (أعمال الرسل 4: 32-35).

 

 

6- من هنا إن غنى المؤسسة الكنسية (الكنائس، الأديار…) كان ولا يزال عثرة كبيرة في تاريخ البشرية وقد تسبب- ولا يزال- في تفشّي الإلحاد. والواقع أن هذا الإلحاد نتيجة منطقية لغياب الله الفعلي عن هذا الوجه الذي تقدمه المؤسسة الكنسية- والدينية بشكل عام- للناس، والذي قد يحجب عنهم ما عداه .

 

7- هذا الغياب المأساوي- غياب الله عن وجه من وجوه مؤسّسة وُجدت في الأصل لتكشفه للناس- عبّر عنه طاغور بمقطع شعري رائع أورد فيه ما يلي:
“قال الخادم للملك:
ما للقدّيس “ناروتام”، مولاي، لا يتنازل أبداً، ويدخل الهيكل الملكي؟ إنّه يسبّح الله في ظلّ الأشجار، على الطريق الرحب، والهيكل خلوٌ من العبّاد، والناس يحتشدون حوله احتشاد النمل حول اللوتس الأبيض، مهملين جرّة العسل الذهبية.
إغتاظ الملك لذلك، فمضى إلى حيث كان ناروتام جالساً على العُشب، وسألُه: لماذا، أبتِ، تترك هيكلي ذا القباب الذهبية، وتجلس على التراب في العراء، لتعظ حبّ الله؟
فأجاب ناروتام: لأنّ الله ليس في هيكلك.
تجهّم وجه الملك وقال:
أتعلم أن عشرين مليونًا من الذهب قد أنفقت في بناء هذه الآية من الفن، وأن طقوس تكريسها لله كلّفت أموالاً طائلة؟
فأجاب ناروتام:
“نعم، أعلم ذلك! وهذا كان سنةَ احترق فيها بيوت الوفٍ من شعبك، وقد وقفوا دون جدوى يسألون العون على بابك.
“وقد قال الله: هذا المخلوق الحقير لا يستطيع إيواء إخوته، ويريد بناء بيتٍ لي!
“وأقام الله بين من لا مأوى لهم، تحت أشجار الطريق.
وخلا هذا القباب الذهبيّ من كل شيء إلاّ من بخار الكبرياء الحارّ”.
صاح به الملك غاضبًا: أترك بلادي!
فأجاب القدّيس بهدوء: أجل، إنفِني حيث نفيتَ إلهيْ” .

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share