مدارسنا الأحدية
بقلم كوستي بندلي
المسؤول عن مدارس الأحد في مركز طرابلس.
إن حركتنا قد رفعت لواء النهضة الأرثوذكسية ملتفة حول الراعي العظيم والقائد الغالب يسوع المسيح. وهي في سائر الحقول تبدي النشاط وتبذل الجهود. والرب يسقي بغيث نعمته الغزيرة والحصاد ينضج ويثمر. لكن اختبار مدة طويلة قد دلنا على أن حقلاً من أوفر الحقول إنتاجًا هو التربية والتعليم وبالأخص مدارس الأحد التي سنتكلم عنها في هذا المقال الأول.
توطئة عامة: قيمة الطفل وتربيته.
إن للطفل قيمة عظيمة في نظر الكنيسة المسيحية. لأن الرب الإله المتجسد قد “ولد طفلاً جديدًا” حاملاً كل ضعف الطفولية وآلامها، حتى صرنا عندما نذكر الطفل والطفولية تتبادر إلى أذهاننا صورة قد طبعت في أعماق نفوسنا ولا يمكنها أن تمحى، صورة الطفل يسوع. وعندما خرج الرب إلى التبشير، هتف ذات يوم نحو الذين كانوا يريدون إبعاد الأولاد عنه، منتهرًا وقائلاً: “دعوا الأولاد يأتون إليّ” ثم قرّبهم إليه واحتضنهم وباركهم، ولم يكتفِ بهذا بل صَرّح: “إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت الله”، و”الحق الحق أقول لكم إن من لا يقبل ملكوت الله كطفل لا يدخله”.
أما أهمية تربية الطفل فهي ناتجة عن كون نفسه حقلاً خصبًا قابلاً لكل البذار التي تلقى فيه: هذا هو ضعف الطفل وقوته. فإن ألقيت بذار الفضائل تنبت وتنمو وتثمر الأثمار الصالحة الشهية، وإن ألقيت فيها البذار الرديئة تحصد الأشواك والزوان. إن إرادة الطفل تتطلب توجيهًا يحوّلها نحو الأهداف السامية وإلا فإنها تخضع للأميال الرديئة عاقبة الخطيئة الجدية فالتربية عمل أساسي حيوي يتعلق به مصير الطفل ومصير المجتمع ومصير الكنيسة.
فكّرت حركتنا بأنه من الضروري الاهتمام بالأولاد أولا لأنهم جديرون بالاهتمام بحدّ ذاتهم وأيضًا لأن تربيتهم تمكّن من إيجاد نشء صالح يكون أساس النهضة الأرثوذكسية ودعائمها الراسخة. ولذلك فقد اقتربت من الأولاد متذكرة قول السيد: “من قبل أحد هؤلاء الصغار باسمي فقد قبلني” فحملت إليهم رسالة المسيح وأظهرت لهم محبته العظيمة وبلّغتهم دعوته وهتفت بهم: “هلم أيها الأولاد واسمعوني فأعلّمكم خوف الرب” (مزامير). وقد لبوا دعوتها ببساطة قلوبهم الطاهرة وأخذوا يتواردون على اجتماعاتها لسماع كلمات الحياة الأبدية، مرتشفين هذه المياه الحية المتدفقة من الرب يسوع الحلو جدًا.
وهكذا نشأت مدارسنا الأحدية. أما هدفها فهو:
1- تلقين الأولاد التعليم الديني كافيًا متينًا.
2- إعطاؤهم التربية الروحية والتربية الأخلاقية اللازمة ليكونوا ذوي إيمان حي “بلا لوم، بسطاء، أولادًا لله في وسط هذا الجبل المعوجّ الملتوي، مضيئين بينهم كأنوار في العالم”.
وسنتكلم في ما يلي عن مدارس الأحد في مركز طرابلس وعملها التعليمي والتربوي ثم نذكر لمحة عن تنظيمها، وبعض الطرق المتبعة فيها ونتائجها المنتظرة.
1- العمل التعليمي:
إننا نقدم للأولاد سائر فروع التعليم الديني، فيدرسون “العقائد الأرثوذكسية” وتستنير أذهانهم بمعرفتها. يدرسون “الطقوس الأرثوذكسية” فيحفظون الصلوات غيبًا ويفهمون معنى القداس الإلهي. يصغون إلى سرد حوادث “التاريخ المقدس” ونستنتج لهم التعاليم الروحية من مثال رجال العهد القديم القديسين ويتعرفون في تاريخ العهد الجديد إلى شخصية المسيح الإله والإنسان الجذابة النيرة. وتلقى على كبار الأولاد دروس في تاريخ الكنيسة.
وتقبل الحركة في مدارسها الأحدية أولادًا من سن السادسة إلى الرابعة عشرة مقسومين إلى أربعة شُعب وكل شعبة تقسم إلى عدة فرق تحمل اسم قديس أو قديسة ولها شعارها الخاص ورموزها وعلمها الخاص. يدعى أولاد الشعبتين الأولتين (6 إلى 10 سنوات) “أطفال المسيح” وأولاد الشعبتين الأخيرتين “فتيان وفتيات المسيح” والشعبة الرابعة هي الشعبة الاستعدادية للحركة. وقد تأسس مؤخرًا “بستان الأطفال” للصغار جدًا.
أما التعليم الذي يلقى في هذه الشعب فهو “تعليم حي”. إن هذا التعليم الحي يجتنب أن يكون نظريًا فقط ونحن نجتهد أن نحرك به شعور أولادنا وأن نستحث به إرادتهم فيدخل في صميم حياتهم، ولا يفرض المعلم كل الحقائق على تلاميذه فرضًا بل يستدرجهم إليها ويوجههم نحوها حتى يجدوها بأنفسهم إما بالحدس وإما بالاستنتاج المنطقي.