كيف نحدث أولادنا عن الأقمار الثلاثة

mjoa Saturday October 18, 2008 289

في حديث للأولاد عن الأقمار الثلاثة يمكن اتّباع النهج الآتي:
1- إيضاح هذين التعبيرين “آباء” “وأقمار” اللذين يسمع الأولاد تردادهما دون أن يعنيا لهم شيئًا واضحًا. فلكي لا يبقيان تعبيران أجوفان كالعديد من التعابير الدينية التي يتعلمها الأولاد آليًا، يمكن ايضاحهما على ضوء الإنجيل:
“آباء”: الأب هو الذي يعطي الحياة والذي يطعم الأولاد فيحفظ حياتهم: “من منكم إذا سأله ولده خبزًا يعطيه حجرًا وإذا سأله سمكة يعطيه حية؟”.

.

ولكن الحياة الحقيقية هي معرفة الله: “هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك والذي أرسلته يسوع المسيح”، والقوت الحقيقي هو كلمة الله: “ليس من الخبز وحده يحيا الإنسان بل من كلّ كلمة تخرج من فم الله”. لذلك فالذين شرحوا لنا كلمة الله بعمق وقادونا إلى معرفة الله يُدعون بحق “آباء الكنيسة” وعليهم تنطبق كلمة بولس الرسول: “لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل”.
“أقمار”: قال الرب لتلاميذه: “أنتم نور العالم”، ولكنه من جهة أخرى أشار إلى أنه هو نور العالم الوحيد: “أنا نور العالم”، “كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم”. إذًا تلاميذ المسيح ينيرون لأنهم يعكسون نور المسيح كما يعكس القمر نور الشمس. المسيح يُدعى في طقوسنا “شمس العدل” والقديسون الذين نعيّد لهم سُمّوا أقمارًا لأنهم اقتبسوا نور هذه الشمس الإلهية فاستناروا به وعكسوه بقوة علينا.
2- إعطاء معلومات عن حياة الأقمار الثلاثة: ينبغي أولاً أن نوضح للأولاد الإطار التاريخي والجغرافي الذي عاش فيه الآباء الثلاثة، ولو بشكل سريع، لذلك يجب أن نضع أمام أعينهم خريطة جغرافية للعالم القديم تظهر فيها القسطنطينية وإنطاكية وقيصرية الكبادوك، وأن نمدّهم بمعلومات بسيطة عن الوضع التاريخي آنذاك (القسطنطينية: عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية؛ أنطاكية: عاصمة ولاية سوريا في الإمبراطورية ذاتها وأهميتها العددية إذ كانت تضم نحو مليون نسمة؛ قيصرية: عاصمة مقاطعة الكبادوك وكانت تتبعها على الصعيد الديني عدة أبرشيات؛ البدعة الآريوسية التي انتشرت آنذاك). ثم نروي للأولاد فصولاً من حياة الأقمار الثلاثة نختارها بشكل يمكن فيه أن تنطبع في خيال الأولاد وتحرك مشاعرهم. وعلى سبيل المثال:
في حياة باسيليوس:
1- صموده أمام الوالي في سبيل الدفاع عن إيمان رعيته المهدد بانتشار الآريوسية التي كان يدعمها الإمبراطور. هناك حوار شهير بين الوالي والقديس ذو طابع دراماتيكي جدير بأن يستلفت انتباه الطلاب.
2- تأسيسه المطاعم الشعبية والملاجئ في كل نواحي أبرشيته، وإنفاقه كل ما ورثه على هذه المؤسسات.
في حياة غريغوريوس اللاهوتي:
1- تنصيبه أسقفًا على القسطنطينية ولم يكن فيها سوى اثني عشر أرثوذكسيًا. وعظه المستمر وقصائده اللاهوتية تعيد الهراطقة إلى الإيمان القويم.
2- ثم بعد أن يرد الرعية عن ضلالها يعتزل الكرسي ويقضي بقية أيام حياته في نظم المؤلفات اللاهوتية.
في حياة يوحنا الذهبي الفم
1- تخليه عن ماله وعن مستقبل لامع ليكرس نفسه لله.
2- دفاعه عن شعب إنطاكية عندما حلّ عليه غضب الإمبراطور.
3- استدعاؤه الرهبان ليصدوا الجيش عن اضطهاد الناس. إرساله أسقف إنطاكية إلى العاصمة لمقابلة الإمبراطور.
4- تنصيبه، رغمًا عنه، بطريركًا على القسطنطينية. بيعه للأثاث الفاخر في دار البطريركية وتوزيع ثمنه على الفقراء.
5- جرأته في توبيخ الإمبراطورة نفسها على كبريائها.
6- نفيه مرتين نتيجة لغضب الإمبراطورة بعد أن سلَّم نفسه للجند خفية عن الشعب الذي كان يحيط بالكنسية للدفاع عن راعيه. موته على طريق المنفى وكلمته الأخيرة “المجد لله دائمًا”.
3- إعطاء معلومات عن التعاليم الاجتماعية التي علّمها الأقمار الثلاثة:
تلخيص هذه التعاليم هكذا: إن كل ما يملكه الإنسان إنما ائتمنه الله عليه ولذا لا يمكنه أن يتمتع به وكأنه ملكه الخاص بل ينبغي أن يعتبر نفسه وكيلاً عليه يسد به حاجته وحاجات الناس الذين هم عائلة الله، فلا يسرف ويبذخ ويعيش في الترف أو يكدس الأموال والأمتعة بينما يتضور جوعًا إخوته البائسون الذين وحّد المسيح نفسه معهم. وإذا أعطى فلا يعتبر أنه منَّ على من أعطاه بل أنه قام فقط بواجبه كوكيل أمين على الأموال التي اؤتمن عليها إذ أعطاها لمن جعل الله لهم حقًا عليها. فيكون هكذا متخلقًا بأخلاق الله الذي هو عطاء دائم لأنه محبة.
وهنا يمكن أن نتلو على الأولاد بعض المختارات من التعاليم الاجتماعية التي تفوه بها الآباء المذكورون. وقد ورد العديد منها على صفحات هذه المجلة (أنظر “النور”، العددان 7 و8 سنة 1963 والعدد 18 سنة 1963)
4- إظهار مفهوم القداسة كما يتجلى من شخصية الأقمار الثلاثة:
نعود بالأولاد إلى المعنى الكتابي للقداسة. قدّس معناها أفرز لله. هناك مثلاً قاعة في البيت نفرزها ( أي نخصصها) للاستقبال. فتبقى هذه القاعة نظيفة، مرتبة، مزينة. ولا تستخدم لغاية أخرى غير استقبال الزائرين. وكذلك فالقديس هو من أفرز نفسه لله فلم يعد من مكان في شخصه إلا لمشيئة الله. هكذا نرى أن الأقمار الثلاثة قد اتخذوا الله سيدًا مطلقًا لحياتهم، فلم يخضعوا لسيد غيره وتجاسروا أن يتحدَّوا سلطة الملوك والولاة من أجل اسمه مفضّلين، كالرسل، طاعة الله على طاعة الناس, كذلك اتخذوا الله مبتغاهم الأوحد، فلم يحولهم عنه شيء في الوجود، ولشغفهم به تركوا أموال الأرض، مع أنهم ولدوا أغنياء، ولم يبالوا بالجاه العالمي وقبلوا بالاضطهاد والنفي والموت.
حبّهم هذا لله جعلهم يدركون أسراره لأن الله يكشف ذاته للذين يحبونه. لا يستطيع أن يعرف الله إلا من يحب الله وهم قد أحبوه فعرفوه. استطاعوا أن يحدّثوا الناس عنه. حبّهم لله جعل فيهم حبًا للناس أجمعين، أولاد الله، فتفانوا في خدمة أجسادهم وأرواحهم ودافعوا عنهم ضد كل طغيان واستغلال وسهروا عليهم سهر الراعي الذي يبذل نفسه عن الخراف.
هكذا يتضح لنا أن القداسة مطلوبة من كل واحد منا، لأنها ليست في صنع العجائب (وان كان أحيانًا صنع العجائب مظهرًا من مظاهرها)، ولكنها في إفراز النفس لله، في تكريسها له. يمكننا أن نقتفي إذًا آثار الأقمار الثلاثة إذا اتخذنا مثلهم الله مبتغانا وفتشنا في كل شيء عن رضاه لا عن رضى الناس وأحببناه أكثر من كل شيء في الوجود وحتى أنفسنا. عند ذاك يسكن هو فينا ويكشف لنا ذاته ويؤهّلنا لمحبة الناس وخدمتهم بإخلاص وتضحية. عند ذاك يتلألأ فينا نوره ويشعّ للناس كما شعَّ من الأقمار الثلاثة.
5- امتدادات تربوية للحديث:
أ‌- يمكننا أن نقترح على الأولاد أن يقتنوا دفترًا للمعلومات الدينية يرتبونه ويزينونه حسب مواهبهم وذوقهم ويخصصون فيه صفحة أو بضع صفحات لكل من المواضيع التي سنبحثها معهم على التوالي. أما فيما يختص بالأقمار الثلاثة، فنقترح عليهم أن يدخلوا في دفترهم المواد التالية:
– صورة للأقمار الثلاثة يلصقونها على الدفتر.
– خريطة يرسمونها تظهر فيها إنطاكية والقسطنطينية وقيصرية الكبادوك.
– تاريخ ولادة ورقاد كل منهم.
– بعض المختارات من تعاليمهم الاجتماعية منسوخة بخط جميل.
– تاريخ عيدهم ونص الطروبارية التي تنشدها الكنيسة لهم.
ب‌- ومن جهة أخرى، كتطبيق للتعاليم الاجتماعية التي تفوه بها الأقمار الثلاثة واقتفاءً لتجردهم، نقترح على الأولاد أن ينشئوا صندوقًا يدعى “صندوق محبة” يغذونه ببعض كمالياتهم يضحون بها مساعدة للمعوزين ومشاركة لهم، مبتدئين هكذا بممارسة مهمتهم كوكلاء لله على خيراته.
مراجع: فيما يلي بعض المراجع التي يمكن اعتمادها لهذا الحديث:
القديس باسيليوس الكبير: العظة السادسة عن الإنجيل- ضد الغنى (النور السنة 19، العددان 7/8).
الأرشمندريت جورج خضر: الفقر والغنى عند الآباء (النور – السنة 19، العدد 18).
الأرشمندريت جبران رملاوي: يوحنا الذهبي الفم (النور- السنة 18، العددان 5/6).
كوستي بندلي: القديس باسيليوس ونهضتنا (النور- السنة 21، العدد1)
Jean Marie Ronnat: Basile le grand (Les Editions ouvrières)
C.V. Gheorghiu: Saint Jean Bouche d’or (Ed. Plan, 1957)
(وقد نقل هذا الكتاب الأخير الى العربية)
Paul Gallay: Grégoire de Nazianze (Les Editions ouvrières, 1959)
النور، العدد 1، سنة 1966
كوستي بندلي

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share