دور الحركة في إطلاق التكريس الكهنوتي والرهباني

mjoa Tuesday November 4, 2008 501

مقدمة

ليست الحركة دعوة إلى الكهنوت، ولا إلى الرهبنة، إنها دعوة للحياة بالمسيح. هي دعوة روحية تقوم على نهضة تتبناها (نفوس عطشى إلى الروح تواقة إلى الاختبار الديني المتأصل في الحياة). فالإنجيل الشريف هو مِقْود هذه الحركة بكونه الأساس الذي يتوسط المائدة المقدسة في الكنيسة. والكنيسة هي جماعة المؤمنين، والحركة جزء منهم. لكنهم عندما يتشكلون كنسياً، ينعدم وجود أجزاء منها، بل يصبحون جسماً واحداً لأناس يؤمنون بأن المسيح رأس الكنيسة يريد لجسده المُشكل من أعضائها أن يتمثلوا بالروح والحق ليصيروا حقيقة أعضاء جسده.

.

 

ليست الحركة خارج الكنيسة فحياتها الروحية أساس وجودها، ولكنها دعوة لأبنائها، وكذلك للعالم كله. لكي يصيروا كنيسة. لذلك نراها تهتم بحياة الليتورجيا والأسرار والعقيدة، مستعينة بالتقليد كأمرٍ أساسي، وليكون الإنجيل الذي هو مقياس كل نجاح مرتبطاً مع باقي الاهتمامات كطريقٍ إلى الحياة بالمسيح.

وكما يقول الأستاذ شارل مالك: “إن الحق قادرٌ بذاته أن يعلن عن ذاتهِ” هكذا أيضاً، كما يقول المطران جورج خضر “الحياة الروحية تكفي نفسها بنفسها. وهي تستطيع أن تبدع ما تشاء في كل موضع تشاء…..كل عمل في الكنيسة والحركة باطل، إن لم نكن راسخين في يسوع”. المهم في صحة حركتنا إنما يقاس بقدر ما المسيح مقيم في داخل نفوسنا. وبقدر ما الله حي في أعمالنا الحركية لأن: “الله روح” (يو24:4) والحركة هي انسكاب روح الله في قلوبنا. ليجسّد أعمالاً وتنظيمات وانتماءات. كمثل المواضيع التي يتحاور فيها الحركيون، أو الأعمال المنتقلة عن طريق الخدم الاجتماعية لعون البائس والمسكين ورعاية الطفولة التي حض المسيح الكبار أن يتشبهوا بنقاوتها ليصير لهم إلى الملكوت طريقاً. هذا وغيره من الأعمال والتنظيمات والاجتماعات هي أمور مهمة. ولكن الأساس أن ننظر بعين الروح إلى عالم الملكوت بيتنا الثاني بعد بيتنا الأرضي. فالسعي إلى (الخبز) مهم، ولكن الأهم هو السعي إلى ما أطلق عليه السيد المسيح “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” (مت4:4).

هذا الاهتمام يقود إلى انتماءات يفرزها العمل الحركي، من خلال حياة الروح التي صار إليها، وليس عن طريق دعوةٍ تُهيكل قبل أن يصير المسيح معاشاً بأعماق الإنسان، ليكون قائداً لتلك الانتماءات التي هي جوهر دعوته لنا وعلى رأسها الكهنوت والرهبنة.

 

يقظة حركية:
أن الكتاب المقدس يقول: “لا تطفئوا الروح” (1تس 19:5). مما يؤكد أن إطفاء الروح في النفوس ليس عملاً يرضي الهت بل ينبع من الغيرة غير المقدسة، ومن نزوات ترتبط بشهوات فردية بعيدة عن جماعية روحية كنسية.

لذا يؤكد المطران جورج خضر بقوله: “فامتداد المسيح، عبر الزمان والمكان، امتداد ذو شطرين شطرٍ كهنوتي وشطرٍ روحي عنصران متلازمان في حياة الكنيسة إذا تباعدا صارت إلى شيءٍ من الجفاف والجمود، وإلى كثير من البلبلة”.

فالحركة تتداخل في مثل هذه القضايا الحرجة، وبالالتزام الصحيح تطلق فكرها على شكل نهضة، ينبلج منها كل تجديدٍ في حياة الكنيسة، وتغذي السيامات الكهنوتية والدعوات الرهبانية. هذا المضمون الذي يكشف عن الضعف ويجرده من رتابته التي لا علاقة لها بالتقليد الكنسي ويتدخل بالقدر الذي تسمح هبة الروح له فيه، فيمتلك قدرة أن يعصف بكل بالٍ فيها، ليُبقي ما هو أصلاً من لمسات الروح. هو بعثٌ، والحركة هي مساهمةٌ جريئة في بث هذا البعث الذي يلتقي عنده نهضويّوا الكنيسة بحركاتهم الجديدة، أو بروحانيتهم في تقوية العمل الكنسي حيث هم مسؤولون. لقاءٌ يتجدد عند القليلين، ونصلي ليشمل أكبر عدد منهم إن لم نقل جميعهم.

إن تبادل هذه الخبرات وتغذيتها بإبداعات يفرزها الروح عند البعض، مع ثقافة اتسمت بأن قاعدتها الإيمان، وموضوعاتها اللاهوتية الكنيسة، وعيشها هو المسيح دون سواه. هذه المبادلات سواء كانت على صعيد الحوار، أو في ردهات البلمند اللاهوتي، أو عظات الكهنة، أو كانت كتباً في الروح يخطها المستنيرون، أو مستوحين بها من الكتب الآبائية، لتكون جميعها مقتديةً بالمسيح، لتقيم صلةً بين المعاصرين من المؤمنين بأسلافهم من ذات الإيمان، لتكون العقيدة والطقس الكنسي والعيش المسيحي رابطاً للجميع بهذه الأسس التي تقود إلى المحبة وهي تدفعنا إلى صميم الروح. فالمحبة غير النابعة من دائرة أن “الله محبة” هي تزييف للمحبة، وسذاجة في العلاقة، وانتهاك للمضمون على حساب طبلٌ يطن لا مضمون فيه.

الشبيبة الواعية ترتوي نفوسها من تيارٍ كهذا، والتيار يأخذ بمجامع العقل والقلب والروح. وله القدرة على التغيير، والدفع إلى تبني مسلك لم يخطر على قلب بشر من قبل. خلاصته أن ، هذا الشاب أو تلك الشابة يصير محباً لله بنقاوة الله. ويصير مستعداً أو مستعدةً للارتباط بالله. هو مصير يسلم فيه الشاب قلبه بطواعية لله ويقول له: “لبيك، ليكن لي حسب مشيئتك”. هي علاقة يتشكل منها روابط. والعلاقات بين الله والإنسان كثيرة، جوهرها واحد هو عيش المسيح، ونتائج تأثيرها متعددة مثل تكوين أسرة مسيحية، ممارسة أعمال رسمية وحرة بروح المسيح بأمانة وصدق، وغيرها كثير. ويظهر من بينها التكريس الكامل لله بعطاء لا يعرف حدود. الحاجة إلى عيش الله لا تعرف حدوداً البتة.

0 Shares
0 Shares