حاسبوا المرشّحين على مصداقيّتهم لا على خطابهم الظاهريّ

الأب جورج مسّوح Sunday May 3, 2009 87

يفقد مصداقيّته كلّ مَن يستعمل وسائل تناقض الأهداف التي يقول إنّه يسعى من أجل تحقيقها. فمقولة “الغاية تبرّر الوسيلة” لا تستقيم أخلاقيًّا، فالغاية السامية لا يمكن الوصول إليها بأساليب ملتويّة، والغاية الدنيئة لا تفترض السلوك الحسن. لذلك يسعنا الحكم على كلّ ادّعاء أو زعم يروّج له أيّ امرئ بناءً على الوسائل التي يعتمدها في سبيل الوصول إلى ما يروّج له. فالمطلوب من المواطن اللبنانيّ على أبواب الانتخابات النيابيّة أن يجري تمحيصًا يقارن فيه بين ما يقوله مرشّحو دائرته وما يفعلونه قبل رمي ورقته في صندوق الاقتراع. الانسجام بين القول والفعل هو ما ينبغي أن يقود اللبنانيّين إلى حُسن الاختيار.

فلا يسعنا أن نصدّق تحالفات ظرفيّة تغيب عنها المعايير الأخلاقيّة ويغلب عليها طابع المصلحة الشخصيّة. ومَن يرتضي أن يكون جزءًا من هذه التحالفات تسقط مصداقيّته وإن تذرّع بمبرّرات شتّى، أو اتّكأ على تاريخ مجيد، أو زعم أنّه تتلمذ على رجالات لها قامات أخلاقيّة عظمى ولها قيمها وفضائلها العديدة. ويمكن المرء أن يبرّر لنفسه ما شاء من سلوك يتبنّاه، لكنّه لا يستطيع أن يكون حارًّا وباردًا في الآن عينه، وإذا شاء أن يجمع بين الحارّ والبارد فلن يكون إلاّ فاترًا، والفاتر مصيره أن يتقيّأه الربّ من فمه.

فكيف نصدّق المرشّح العلمانيّ المنضوي في لائحة واحدة مع الداعي إلى قيام الدولة الدينيّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة، أو المرشّح اليساريّ المتحالف مع ذوي الأموال والمحتكرين من فئة مصّاصي دماء الفقراء، أو المرشّح الداعي إلى قيام الدولة ويسعى في الآن عينه إلى نيل رضى صاحب العقل الميليشياويّ، أو المرشح النظيف الكفّ الواقف بجانب الفاسدين في لائحة واحدة، أو المرشح اللاعنفيّ القابل بانضمام الذين لوّثوا أيديهم بالمجازر والقتل المجّانيّ إلى اللائحة الائتلافيّة الواحدة، أو المرشّح الذي يدعو إلى إلغاء الطائفيّة السياسيّة ويبتسم إلى جانب غلاة الطائفيّين في الصورة الملتقطة للائحة المشتركة، أو الناشط البيئيّ الذي تجمعه إلى صاحب الكسّارات والمقالع لائحة واحدة، أو المرشح ذا الأخلاق الرفيعة الذي لا يرى غضاضة في وجوده مع مبيّض الأموال في لائحة واحدة، أو المرشّح المؤمن بالديموقراطيّة والحرّيّة وحقوق الإنسان ويرضى أن يكون في لائحة واحدة مع صاحب الخطاب العنصريّ أو الممارسة الطائفيّة التمييزيّة، أو المرشّح السياديّ الذي لا يرفّ له جفن لوقوفه إلى جانب مَن يخضع للوصايات الأجنبيّة تحت أيّ لواء كانت؟

ففي ظلّ قانون للانتخابات يقرّ مختلف اللبنانيّين وأحزابهم وتيّاراتهم، على الأقلّ ظاهريًّا والله أعلم بالسرائر الباطنة، بأنّه قانون أعرج يشوّه صحّة التمثيل، يبقى علينا أن نضع معاييرنا الخاصّة القائمة على مبادئنا الأخلاقيّة في سبيل اختيارنا الأنسب والأفضل لتمثيلنا خير تمثيل. وهذه المبادئ يجب أن تنيرنا سواء السبيل فلا ننخدع بالخطاب الظاهريّ البرّاق، بل علينا المحاسبة قبل الانتخابات أكثر ممّا تنبغي المحاسبة بعدها. من هنا ضرورة إقصاء كلّ مَن يتناقض خطابه مع ما يقوله حلفاؤه في اللائحة الواحدة. وأقلّ ما يجدر بصاحب الخطاب الإصلاحيّ أن يفعله هو أن ينأى بنفسه عن مَن هم لا يتّفقون مع ما يؤمن به. فليست الغاية النجاح في الانتخابات، بل أن يكسب نفسه ويكسب مَن هم على مثاله وإن خسر الانتخابات.

الأهداف النبيلة لا يمكن الوصول إليها بوسائل وأساليب تخالف هذه الأهداف. فما فائدة أن يربح الإنسان العالم ويخسر نفسه؟ وإذا كان هذا حال المرشّحين، فاللبنانيّون لن يغيّر الله ما بهم “حتّى يغيّروا ما بأنفسهم”. وسلاحهم هو الورقة التي سيسقطونها في صندوق الانتخابات. فليصوّبوا هذا السلاح في وجه أسباب تخلّفهم، وإلاّ سيرتدّ هذا السلاح إلى صدورهم فيقتلهم ويقتل أولادهم وأجيالهم الصاعدة.

 

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 3 أيار 2009

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share