كلمة الأخ جوزيف كساب في عيد الحركة بمركز دمشق – 2009

mjoa Sunday May 10, 2009 127

عندما كنت أقرأ الإنجيل منذ بضعة أيام استوقفني قول الرب يسوع “أنا أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب” تأملت في هذا القول وفكرت بالإنسان الذي يتخبط ويضيع في خصم التيارات الفكرية المختلفة والتساؤلات العديدة.

جاء الإنسان إلى هذه الأرض وفي ذهنه تساؤل دائم، من أين أتيت وإلى أين أذهب؟ هذا السؤال شَاغَل عقل الإنسان منذ أن وجد ومنه انطلقت جميع النظريات والآراء والفلسفات المختلفة، وظلّ في قلق دائم على حياته ومصيره. لا يكفي الإنسان أنه وجد وأنه يعيش. إن كل نفس حيَّة تعيش في هذا الإطار. وظل الإنسان يفتش على إجابة على هذا السؤال وهو بقلق دائم لا يستقر له عيش.يُخلق ويدرس ويتثقّف ويملئ عقله بالنظريات، يطالع الكتب ويعطي من فكره ومن علمه الكثير. وهو ينمو يكبر جسدياً وفكرياً ثم يجد نفسه عاجزاً عن تكملة الطريق، عاجزاً عن العطاء ويرى أن نهايته قربت وأنه سيرحل دون أن يخفق شيئاً ويتلاشى دون أن يعرف إلى أين هو ذاهب، بعد كل هذا العطاء وهذه الذخيرة التي كوّنها في داخله، إلى أين جاء إنسان ابن بشر، معلم يبعث الثقة فما يتكلم ويعطي، في كلامه سلطة وفي حديثة إشعاع نور ي عينيه أمل وفي عطائه الثبات. سمعه يقول “أنا أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب” حينئذ بدا له الطريق مشعاً، تبددت الظلمة المحيطة بفكره وتطلعاته، شعر بالأمان والراحة. لقد سكب الرب في قلبه الثقة والاطمئنان فوضعه على الطريق الآخر “أنا هو الطريق” ثم تيقن أن مسيرته حقة “أنا هو الحق” والحياة تفتحت أمامه “أنا الحياة”. إن في كلام الرب نور وإقناع وفي قلب الإنسان ضعف وتخاذل إذ أن الأهواء تغشي بصيرته والمطامع والأهواء. إلا أن الرب قال أيضاً للمترددين الشاكين والذين ينظرون إلى الوراء، حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا لأنكم ستموتون في خطيتكم، فالطريق مسدود أمام من يخطئ ولا يتوب. فالإنسان المتردد والمكبل بالقيود والمنجذب إلى أسفل، لا يمتلك القدرة للسير في طريق الرب لكن الرب بمحبته وحنوِّه على الإنسان، يعطيه أن يتجاوز كل ضعف وتردد ليبقى على طريق الخلاص.

قال الرب مخاطباً الآب، لقد أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم الذين ولدوا من الماء والروح. نحن ولدنا من الماء والروح، جئنا إلى هذا العالم من الروح. ولادتنا كانت من الله مجيئنا كان من عند الله ونعود إلى الله لأن الرب يسوع يريدنا أن نكون حيث يكون الله حضور دائم بيننا. نستطيع أن نعاينه وأن نعرفه إذا كانت قلوبنا نقية ومارسنا اختبارات شخصية عميقة وبكل خشوع طلباً في معاينته ومعرفته، دون أن نكتفي بما يعلمنا الآخرون. علينا أن نطلبه باستمرار، اطلبوا تجدوا وكلما وجدناه كما قال القديس أغسطين نطلبه أكثر “نبحث عما وجد”.

أعطنا يا رب أن نراك كما قُيِّض للبعض أو لكثيرين أن يرونك فتفرح قلوبنا وتزدهر بالسلام الذي تركته لنا “أما أنتم فتروني أني حي وتحيون”.

وإذا تقنا إلى ملامسة يسوع أو ملامسة يسوع لنا، فيلمس أعيننا لنرى كل إنسان بفراديته بما يتميز من إنسانية حقة فإن قوة تسري في عروقنا تبعث فينا خلاصاً.

إننا نلمس الرب بالأسرار الإلهية المقدسة، بمكالمتنا الدائمة معه، بجوار خفي ومُحي ثم بملامسة أعضاء جسده الممزق دائماً والمرتمي في أحضان البؤس والشقاء. إننا نلمس المسيح أو جسد المسيح إذا أردنا في كل زاوية من زوايا حياتنا.

تبقى أمامنا مشكلة الموت فهي قد تشوش الرؤيا وتعتم الطريق، لكن الرب وعد تلاميذه الحافظين لكلامه ووصاياه أن لا يرون الموت أبداَ (لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي أنا أيضاً في بيت أبي منازل كثيرة أنا ذاهب لأعد لكم مقاماً ولئن ذهبت وأعددت لكم مقاماً أعود إليكم وأصطحبكم حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم) .

نكون تلاميذ حقيقيين للرب، بإيماننا الصادق ومحبتنا بعضنا لبعض وتآلفنا بنية صافية (بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إذا أحببتم بعضكم بعضاً وحفظتم وصاياي)

إن للرب يسوع حضور دائم بيننا يطرق بابنا والذي يريده يفتح له قلبه. الرب يسوع يلازمنا في بيوتنا، في مشاغلنا، في أية لحظة من لحظات حياتنا يشفي أمراضنا ويحمل أعباءنا ويواكبنا كما واكب التلميذين على طريق عماوس وعرفاه لما انفتحت أعينهما وعند كسر الخبز

 

 

د. جوزيف كساب

25/3/2009

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share