جنايات الناصريّ القوميّة

الأب جورج مسّوح Sunday August 23, 2009 152

يسوع المسيح من بلدة الناصرة الجليليّة، الفلسطينيّ الجنسيّة والمولد، أنت شخص غير مرغوب بك في بلدنا لبنان. حضورك يزعجنا، كلامك يلوّث هواءنا، آثار أقدامك تدنّس ترابنا. غادرنا سريعًا قبل أن نغدر بك، إرحل إلى صحرائك قبل أن نعدمك، عد إلى ديارك قبل أن نصلبك.

هل تعلم، يا ابن مريم، أنّك لو أتيت اليوم لقتلك أبناء دينك من المسيحيّين كما قتلك منذ ألفي سنة أبناء قومك من اليهود، لأنّك لستَ في مستوى تطلّعاتهم القوميّة والوطنيّة؟ ولا أعهدك نسيت أنّ يهودك قتلوك لأنّك أردت أن تخرجهم من عنصريّتهم واستعلائهم على بني الأقوام المجاورة، ولأنّك أردت أن تخرجهم من انغلاقهم وتشرنقهم على أنفسهم. فقتلوك شرّ قتلة، بعد أن بصقوا عليك وجلدوك وضفّروا إكليلاً من شوك ليسخروا من ادّعائك المُلك، ثمّ سمّروك على خشبة عاريًا من كلّ هويّة.

لا أعتقدك، يا ربيب يوسف النجّار، غافلاً عن أنّ أبناء قومك اليهود قتلوك لأنّهم رأوا فيك خطرًا على قوميّتهم المستكبرة. فكيف تجرؤ على دعوتهم إلى التخلّي عن عنجهيّتهم والقبول بتساويهم مع كلّ أمم الأرض؟ يا لسذاجتك التي قضت عليك، لأنّك ظننت أنّ الشعور الإنسانيّ قد يغلب على الانتماء القبليّ الانعزاليّ. كيف سوّلت لك نفسك التبشير بالقضاء على التعصّب القوميّ لحساب الإخوّة الإنسانيّة؟

هل تعلم، يا معلّم، أنّ المثل الأعلى لدى البعض من مسيحيّيك هو شارون، هيرودس هذا الزمان، هيرودس الذي قتل أطفال بيت لحم قاصدًا إبادتك. ولا بدّ إنّك سمعت، حيث أنت مقيم بعد ارتفاعك إلى السماء، البعض يستهجن غضبنا حين محت الجرافات مخيم جنين، أو غيره من المخيّمات، بمَن فيه من أطفال ونساء وشيوخ قائلين إنّه لا يجوز التضامن مع الفلسطينيّين الذين عاثوا فسادًا في لبناننا، بلد القدّيسين والأبرار والصالحين والنساك المعلّقين بين الأرض والسماء. وكأنّ أطفال جنين هم مَن حاربوا في بلاد الأرز، ولو لم تطأ أقدامهم أرضنا الطاهرة.

لقد قلتَ، يا يسوع، من التفاهات ما لا يوازي وزن حبّة خردل واحدة من لبنانيّتنا المجيدة. يا لتفاهة وعدك “طوبى للودعاء وللرحماء وللساعين إلى السلام”، ويا لوضاعة قولك “كنتُ غريبًا فآويتموني”، ويا لانعدام معنى سؤالك “مَن، يا ترى، صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟”، ويا لغرابة دعوتك إلى المحبّة. ما اللوثة التي أصابتك حتّى تطلب إلينا أن نستقبلك في بلادنا وأنت تساوي نفسك بالغريب، أي بكلّ هؤلاء الناس الذين هم أدنى منّا؟ والله نفسه شاء تمييزنا عن سائر الأمم إذ لم يرضَ بأن يمنّ عليهم كما أنعم علينا بالدماء اللبنانيّة النقيّة؟

ثمّ هل يعقل اعتبار الفلسطينيّ والسوريّ والسيرلانكيّة والحبشيّة معادلين لنا في الإنسانيّة؟ وما هذا الهراء الذي تمارسه الكنائس حين تقدم على إعلان قداسة بعض هؤلاء الأعاجم ورفعهم إلى مستوى معلّمي المسكونة؟ مار مارون السوريّ ومار يوحنّا الدمشقيّ ومار جرجس الفلسطينيّ ومار أنطونيوس المصريّ ومار موسى الحبشيّ وسواهم ممّن يحتفل بذكراهم المسيحيّون.

ولنا عليك عتب كبير، يا وليد بيت لحم، إذ إنّك قبلت أن تولد في فلسطين، جارتنا اللدود، وليس عندنا. علمًا أنّ البعض من جهابذتنا قضى السنوات العديدة كي يبرهن أنّك ولدت في لبنان، فنحن لا نطيق أن يكون ثمّة عبقريّة خارج إطار التناسل اللبنانيّ. عبثًا ما قاموا به، وباطل الأباطيل كلّ عبثهم باطلٌ. فأنت، في عرف الجميع فلسطينيّ ابن فلسطينيّة، وستبقى كذلك. ومهما قيل عن سمو تعاليمك وأعمالك، فهذا لا يعنينا في شيء.

أنت ارحل عنّا وحسب، وابقَ مشردًا كما شئتَ وقلتَ. أمّا نحن فلنا لبنانيّتنا نكتفي بها ونفاخر بها الأمم كافّة.

 

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 23 آب 2009

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share